مقالة تفصيلية عن رسوم الأراضي البيضاء في المملكة العربية السعودية

2 أكتوبر, 2025

المقدمة
يشكل قطاع العقار في المملكة العربية السعودية أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، ليس فقط لارتباطه المباشر بحاجات المواطنين السكنية، وإنما لدوره الكبير في تحريك عجلة الاستثمار وتوليد فرص العمل وتعزيز النشاط الاقتصادي بمختلف قطاعاته. ومع التحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المملكة في إطار “رؤية 2030″، برزت الحاجة إلى إعادة تنظيم السوق العقارية بشكل أكثر عدالة وشفافية، بما يضمن الاستخدام الأمثل للأراضي ويعزز من وفرة المعروض السكني بأسعار متوازنة.

ومن أبرز الأدوات التي لجأت إليها الدولة لتحقيق هذه الأهداف “برنامج رسوم الأراضي البيضاء” الذي أقر بموجب نظام رسوم الأراضي البيضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/4) بتاريخ 12/2/1437هـ. يقوم هذا النظام على فرض رسم سنوي قدره من (10%) من قيمة الأرض غير المطورة (الخام) الواقعة داخل النطاق العمراني، متى توافرت فيها شروط معينة حددها المنظم. ويستهدف النظام بصورة أساسية الأراضي السكنية والتجارية الكبيرة المحتجزة دون تطوير، والتي غالبًا ما يملكها مستثمرون أو أفراد بغرض المضاربة أو الانتظار لارتفاع الأسعار، وهو ما يخلق شُحًا مصطنعًا في المعروض ويرفع أسعار الأراضي السكنية إلى مستويات تثقل كاهل المواطنين وتؤثر سلبًا على استقرار السوق.

إن فلسفة فرض رسوم الأراضي البيضاء جاءت لترسخ بعدًا تنمويًا يتجاوز مجرد فرض التزامات شكلية، ويستهدف معالجة جوهرية لمشكلة احتكار الأراضي وتعطيل التنمية العمرانية، وعليه فهي تعتبر بالدرجة الأولى وسيلة إصلاحية لتنشيط السوق العقارية وتحفيز أصحاب الأراضي على تطويرها أو بيعها، بما يساهم في سد فجوة العرض والطلب، ويدعم خطط الإسكان التي تستهدف رفع نسبة التملك السكني بين المواطنين. ومع ذلك، أثار تطبيق هذا النظام منذ بدايته جدلاً واسعًا بين مؤيد يرى فيه خطوة جريئة لإعادة التوازن للسوق، ومعارض يعتبره عبئًا إضافيًا قد ينعكس على أسعار التطوير والمشاريع العقارية.

ويأتي هذا المقال التحليلي ليطرح تساؤلات جوهرية: ما هو الأساس النظامي لرسوم الأراضي البيضاء؟ وكيف يجري تطبيقها على أرض الواقع؟ وما أثرها على السوق العقارية والمستثمرين والمواطنين على حد سواء؟ وهل نجحت بالفعل في الحد من الممارسات الاحتكارية ودعم المعروض السكني؟ وما هي أبرز التحديات والانتقادات التي واجهها التطبيق العملي للنظام؟

سنحاول من خلال هذه الدراسة أن نقدم قراءة تحليلية معمقة، تجمع بين التأصيل النظامي من جهة، والبعد الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى، مع الاستعانة بالتقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وتجارب التطبيق المرحلي للرسوم في مختلف المدن السعودية. الهدف هو الوصول إلى تقييم موضوعي يوضح أين يقف النظام اليوم، وما إذا كان بحاجة إلى تطوير أو تعديل ليستجيب بشكل أكبر لتطلعات المواطنين وأهداف “رؤية 2030”.

أولًا: الإطار النظامي لرسوم الأراضي البيضاء

يشكل الإطار النظامي العمود الفقري لفهم فلسفة فرض رسوم الأراضي البيضاء وآليات تطبيقها، إذ لا يمكن تقييم آثار النظام أو نقده من دون الوقوف على أساسه التشريعي والتنظيمي واللائحي.

1. الأساس التشريعي

صدر نظام رسوم الأراضي البيضاء بموجب المرسوم الملكي رقم (م/4) وتاريخ 12/2/1437هـ، بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (457) بتاريخ 11/2/1437هـ. وقد نص النظام في مادته الأولى على أن: “يُفرض رسم سنوي على الأراضي البيضاء الخاضعة للنظام بنسبة (10%) من قيمة الأرض”، محددًا بذلك الإطار العام للالتزام.

هذا النظام جاء متسقًا مع أهداف “رؤية 2030″، التي نصت على أهمية زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب، إلى جانب رفع نسبة تملك المواطنين للمساكن.

2. اللائحة التنفيذية

لم يكتفِ المشرّع بالنظام العام، بل صدرت اللائحة التنفيذية لنظام رسوم الأراضي البيضاء بقرار مجلس الوزراء رقم (481) وتاريخ 19/9/1437هـ، لتفصيل الأحكام وتوضيح آليات التطبيق. ومن أبرز ما تناولته اللائحة:

  • تعريف الأراضي البيضاء: وهي كل أرض فضاء مخصصة للاستخدام السكني أو السكني التجاري داخل النطاق العمراني، مملوكة لشخص أو أكثر، غير مطورة تطويرًا معتمدًا.
  • المعيار الأساسي للخضوع: أن تكون الأرض داخل النطاق العمراني المحدد من وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وألا تكون مستثناة من التطبيق.
  • تقدير قيمة الأرض: يتم عبر لجنة تقييم مختصة تأخذ في الاعتبار موقع الأرض، ومساحتها، واستخداماتها، ووضعها النظامي.
  • الالتزام بالسداد: يلتزم المالك بسداد الرسم السنوي خلال مدة محددة، وفي حال التخلف تُتخذ بحقه إجراءات نظامية تشمل الغرامات أو الحجز.

3. المراحل التطبيقية

اعتمدت الوزارة تطبيق النظام على أربع مراحل تدريجية، تهدف إلى التدرج في شمول الأراضي البيضاء، وهي:

  1. الأراضي غير المطورة بمساحة 10 آلاف متر مربع فأكثر داخل النطاق العمراني لمدينة معينة.
  2. الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط واحد معتمد، متى ما بلغت مساحتها 10 آلاف متر مربع فأكثر.
  3. الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مدينة واحدة، متى ما بلغت مساحتها 10 آلاف متر مربع فأكثر.
  4. الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مدينة واحدة، متى ما بلغت مساحتها 5 آلاف متر مربع فأكثر.

هذا التدرج يهدف إلى معالجة السوق بشكل تدريجي، وضمان فاعلية التنفيذ وعدم إرباك الملاك أو السوق العقارية دفعة واحدة.

4. الجهة المشرفة والتنفيذية

تتولى وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان ممثلة في برنامج رسوم الأراضي البيضاء مهمة:

  • حصر الأراضي الخاضعة للرسم.
  • الإعلان عنها رسميًا في كل مدينة مشمولة.
  • إرسال إشعارات للملاك.
  • تقدير الرسوم وجبايتها.
  • متابعة الالتزام وتطبيق العقوبات.

5. الجزاءات عند المخالفة

نص النظام واللائحة على مجموعة من الجزاءات، منها:

  • فرض غرامة تصل إلى 100% من قيمة الرسم المستحق عند عدم السداد في المدة المحددة.
  • الحجز على الأرض أو منع التصرف بها لحين السداد.
  • عدم إصدار صكوك أو تراخيص جديدة تتعلق بالأرض المخالفة.
  • ثانياً: مبررات فرض الرسوم
  1. مبررات اقتصادية

احتكار الأراضي: قلة من الملاك يحتفظون بمساحات واسعة دون تطوير، مما يقلص المعروض.

ارتفاع الأسعار: أدى الاحتكار إلى تضخم قيمة الأراضي بشكل مبالغ فيه.

ضعف استغلال الموارد: ترك الأراضي خاملة يعطل النمو الاقتصادي.

  1. مبررات اجتماعية
  • أزمة الإسكان وارتفاع الإيجارات.
  • حاجة شريحة كبيرة من المواطنين إلى سكن ميسر.
  1. مبررات نظامية وتنظيمية
  • تحقيق العدالة في الاستفادة من الأراضي العامة.
  • الحد من الممارسات الاحتكارية بما يتفق مع سياسة الدولة في حماية المنافسة.

ثالثًا: آليات التقييم والتحصيل

  • تعتمد الوزارة على معايير تقييم عادلة تشمل الموقع، الخدمات المتاحة، استخدامات الأرض.
  • يتم تقدير الرسوم سنويًا، وإلزام المالك بالسداد خلال مدة محددة.
  • يحق للمالك الاعتراض أمام لجنة مختصة إذا وجد خللًا في التقدير.
  • في حال عدم السداد، يتم تحصيل الرسوم وفقًا للإجراءات النظامية مع فرض غرامات.

رابعًا: التحديات التي واجهت التطبيق

  1. إشكالية التطبيق العملي: ظهور حالات يقوم فيها بعض الملاك بتأجيل التسجيل او استخدام طرق شكلية تؤثر على فعالية النظام.
  2. صعوبات التقييم: خصوصًا في المدن الكبيرة ذات التفاوت في أسعار الأراضي.
  3. بطء في التطوير: رغم فرض الرسوم، إلا أن بعض الملاك فضلوا السداد بدل التطوير.
  4. الآثار غير المباشرة: مثل انتقال الرسوم إلى المستهلك النهائي عبر ارتفاع أسعار البيع.

خامسًا: أثر الرسوم على السوق العقاري

  1. الأثر الإيجابي
  • تحفيز الملاك على إدخال أراضيهم في التطوير.
  • زيادة عدد المخططات المعتمدة.
  • تحقيق إيرادات للدولة يمكن استثمارها في مشاريع الإسكان.
  1. الأثر السلبي أو المحدود
  • لم ينعكس بشكل فوري على انخفاض أسعار الأراضي.
  • ضعف التنسيق أحيانًا بين الرسوم والسياسات الأخرى مثل التمويل العقاري.

سادسًا: مقارنات دولية

اعتمدت العديد من الدول أدوات مشابهة لمعالجة مشكلة الأراضي غير المستغلة:

  • كوريا الجنوبية: فرضت ضريبة على الأراضي غير المستغلة منذ الثمانينات.
  • سنغافورة: تفرض رسومًا تصاعدية على الأراضي غير المطورة.
  • الإمارات: تستخدم الرسوم البلدية وأدوات التخطيط العمراني لتحفيز التطوير.

هذه التجارب تعزز قناعة أن فرض الرسوم ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتحريك السوق.

سابعًا: التقييم العام لنظام رسوم الأراضي البيضاء

يمكن النظر إلى نظام رسوم الأراضي البيضاء بوصفه تجربة فريدة في البيئة النظامية السعودية، حيث جمع بين غاية اقتصادية – اجتماعية، وأداة تنظيمية – مالية. وإذا ما أردنا تقييمه بعد سنوات من التطبيق، فإننا نجد أنه قد حقق عددًا من المكاسب الجوهرية، وفي المقابل واجه بعض التحديات التي لا تزال بحاجة إلى معالجة.

أولًا: النجاحات المحققة

  • تحفيز التطوير العقاري: أجبر الرسم شريحة واسعة من ملاك الأراضي على اتخاذ قرارات تطوير أو بيع، بعدما كان خيار التجميد والاحتفاظ بالأرض شائعًا لسنوات طويلة.
  • زيادة المعروض السكني: انعكس التطبيق العملي في توسع المعروض من الأراضي المطورة، وهو ما ساعد على تخفيف حدة أزمة السكن وتقليل فجوة العرض والطلب.
  • تعزيز الشفافية: أوجد النظام قاعدة بيانات واسعة عن الأراضي البيضاء في المدن الكبرى، مما ساهم في ضبط السوق والحد من المضاربات العشوائية.
  • دعم برامج الإسكان: تميّز النظام بربط إيراداته مباشرة بتمويل مشاريع الإسكان وتطوير البنية التحتية، مما عزز دوره كأداة داعمة للسياسات الإسكانية والتنموية.

 ثانيًا: التحديات القائمة

  • محدودية الأثر على الأسعار: رغم أن النظام أسهم في رفع مستوى المعروض العقاري من الأراضي المطورة، إلا أن أثره المباشر على خفض أسعار الأراضي لم يظهر بالقدر المتوقع، وذلك لأسباب متصلة بآليات السوق والعرض والطلب.
  •  تعقيدات التنفيذ: واجهت اللجان المعنية تحديات في تحديد معايير “الأرض الخاضعة للرسم”، خاصة فيما يتعلق بالمساحات الكبيرة غير المطورة الواقعة ضمن النطاق العمراني.
  • التحايل والالتفاف: لجأ بعض الملاك إلى تقسيم الأراضي أو تسجيلها بصور شكلية لتفادي الرسم، وهو ما أضعف من فاعلية الأداة في بعض الحالات.
  • البعد الزمني: النتائج الإيجابية للنظام تحتاج إلى وقت طويل لتظهر بوضوح، مما جعل التقييم الفوري محل جدل بين المؤيدين والمنتقدين.

ثالثًا: الأثر النظامي والاستراتيجي

يُحسب للنظام أنه مثّل نقلة نوعية في الفكر التشريعي السعودي؛ إذ عزز مبدأ “الوظيفة الاجتماعية للملكية” بما يتفق مع الفقه الإسلامي الذي يرفض تعطيل الموارد، وفي الوقت نفسه قدّم نموذجًا حديثًا لإدارة السوق العقارية عبر أدوات مالية ذكية. كما أن التوسع المرحلي في التطبيق (ابتداءً من المدن الكبرى وصولًا إلى المدن الثانوية) يعكس مرونة النظام واستجابته للتطورات العمرانية.

رابعًا: التوصيات المستقبلية

إن التقييم الموضوعي يفرض الإقرار بأن النظام بحاجة إلى تطوير مستمر، خاصة من خلال:

  1. ربط أوثق بين الإيرادات والمشاريع الإسكانية المحددة بما يعزز ثقة المجتمع.
  2. زيادة صرامة الرقابة على محاولات التحايل عبر تحديث الأنظمة المعلوماتية وتكاملها مع جهات التوثيق.
  3. توسيع نطاق التطبيق تدريجيًا ليشمل المدن الناشئة ذات الطلب المرتفع على الأراضي.
  4. إعادة النظر في نسب الرسم أو تنويعها وفق معايير أكثر عدالة (مثل الموقع، والخدمات المحيطة، والبنية التحتية المتوفرة).

وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن نظام رسوم الأراضي البيضاء، رغم ما يواجهه من تحديات، يمثل أحد أكثر الأدوات جرأة وفاعلية في إعادة هيكلة السوق العقارية السعودية. فهو ليس علاجًا جذريًا لكل الإشكالات، لكنه خطوة استراتيجية وضعت أساسًا يمكن البناء عليه ضمن رؤية المملكة 2030، لتكريس التوازن بين حق الملكية الخاصة ومتطلبات المصلحة العامة.

خامسًا: الاثار القانونية والاقتصادية للقرار على مختلف الشرائح

أحد أبرز الانعكاسات المباشرة لنظام رسوم الأراضي البيضاء يتمثل في أثره المباشر على ذوي الدخل المحدود؛ إذ ساعد النظام في توفير مصادر تمويل مخصصة لدعم برامج الإسكان الحكومية، مثل برنامج “سكني” التابع لوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، مما انعكس على زيادة المعروض من الوحدات السكنية بأسعار تقل نسبيًا عن السابق. هذا التوجه لم يكن مجرد إجراء اقتصادي فحسب، بل عزز من العدالة الاجتماعية عبر منح شريحة واسعة من المواطنين إمكانية النفاذ إلى السكن الملائم في ظل بيئة تنظيمية أكثر توازناً.

أما من جهة الملاك، فقد مثل النظام حافزًا قانونيًا واقتصاديًا في آن واحد، حيث دفع العديد منهم إلى استثمار أراضيهم أو تطويرها بدلًا من إبقائها خاملة. هذا التوجه ساهم في زيادة القيمة السوقية للأراضي المُطورة ورفع جدواها الاستثمارية على المدى الطويل. كما أن الإطار النظامي الواضح للرسوم خفّض من احتمالية المنازعات بين الملاك والجهات التنظيمية، وأوجد بيئة أكثر استقرارًا من الناحية القانونية، بما يمنح المستثمرين والمطورين ثقة أكبر في اتخاذ قرارات.

الخاتمة

إن رسم الأراضي البيضاء يُعد في جوهره سياسة تنظيمية ذات أبعاد اقتصادية عمرانية، أرادت الدولة من خلالها معالجة واحدة من أعقد الإشكالات التي واجهت المدن السعودية خلال العقود الماضية، والمتمثلة في احتكار الأراضي وتكدسها دون تطوير، مما أدى إلى تضخم أسعار العقارات وتعطيل حركة التنمية العمرانية والإسكانية. ومن هنا، فإن جوهر النظام لا يقاس بما يفرضه من أعباء مالية على الملاك، بقدر ما يقاس بما يحققه من إعادة توجيه السوق العقارية نحو الاستخدام الأمثل للأرض باعتبارها ثروة وطنية لا يجوز تجميدها خارج نطاق التنمية.

لقد كشف التطبيق العملي للائحة التنفيذية وما تبعها من مراحل متدرجة للتطبيق أن النظام نجح في إعادة رسم معادلة السوق، حيث دفع كثيرًا من الملاك إلى تطوير أراضيهم أو عرضها للبيع تجنبًا للرسم، وهو ما انعكس في توسع رقعة المعروض من الأراضي المطورة وزيادة فرص السكن، خاصة مع الربط المباشر بين إيرادات الرسم وبرامج وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية. ورغم أن النظام واجه بعض الانتقادات في بداياته من حيث وضوح المعايير أو عدالة التطبيق، إلا أن التحديثات المتتالية والتوسع المرحلي عززت من فاعليته.

ويمكن القول إن تجربة رسم الأراضي البيضاء تحمل أبعادًا أبعد من السوق العقارية، إذ أسهمت في تعزيز مبدأ “الاستخدام الأمثل للموارد”، والحد من الممارسات الاحتكارية، ورفع كفاءة الأجهزة البلدية والإسكانية في التعامل مع بيانات الأراضي، فضلًا عن خلق ثقافة جديدة لدى الملاك تقوم على أن الأرض ليست وسيلة لتجميد الثروة، بل وعاء للتنمية والإنتاج.

وعليه، فإن الاستمرار في تفعيل النظام وتطويره يُعد ضرورة وطنية، ليس فقط لضبط التوازن بين العرض والطلب، وإنما أيضًا لتكريس العدالة في توزيع الفرص الاقتصادية، وتحقيق الاستدامة العمرانية والمالية. ومن المهم النظر مستقبلًا إلى إمكانية ربط الرسم بأهداف تنموية إضافية مثل تحسين البنية التحتية الحضرية أو دعم مشاريع المدن الجديدة، بما يجعل من هذا النظام رافعة إستراتيجية مستمرة في تحقيق أهداف التنمية الشاملة.

وبذلك يتضح أن رسم الأراضي البيضاء لم يكن مجرد سياسة ظرفية، وإنما تحول إلى أداة إصلاحية مستدامة، تمسّ بنية السوق العقارية، وتعيد صياغة العلاقة بين الملكية الخاصة والوظيفة الاجتماعية للأرض، في إطار نظامي متكامل يستمد قوته من النصوص النظامية واللوائح التنفيذية، ويستمد شرعيته من الغاية الكبرى التي تستهدفها الدولة وهي تحقيق المصلحة العامة.

المصادر والمراجع

  1. الهيئة العامة للعقار. (2021). التقرير السنوي لبرنامج رسوم الأراضي البيضاء. الرياض: الهيئة العامة للعقار.
  2. وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان. (2016). اللائحة التنفيذية لنظام رسوم الأراضي البيضاء. الرياض: وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان.
  3. وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان. (2015). نظام رسوم الأراضي البيضاء (المرسوم الملكي رقم م/4 وتاريخ 12/2/1437هـ). الرياض: وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان.
  4. الهيئة العامة للإحصاء. (2023). التقرير السنوي للسوق العقاري في المملكة العربية السعودية. الرياض: الهيئة العامة للإحصاء.
  5. مجلس الشورى السعودي. (2015). مذكرة تفسيرية لمشروع نظام رسوم الأراضي البيضاء. الرياض: مجلس الشورى.
  6. جريدة أم القرى. (2015). نشر المرسوم الملكي رقم م/4 بشأن رسوم الأراضي البيضاء. العدد (4648). الرياض.
  7. المطيري، عبد الله. (2018). “أثر تطبيق نظام رسوم الأراضي البيضاء على السوق العقاري السعودي”: دراسة تحليلية. مجلة جامعة الملك سعود للعلوم الإدارية، 30(2)، 115-140.

الغامدي، فهد. (2020). “الإصلاحات العقارية ورؤية السعودية 2030: قراءة في نظام رسوم الأراضي البيضاء”. مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، 12(4)، 55-89.

أكتب تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *