دراسة تحليلية “حقوق العامل في البيئات الرقمية والعمل عن بعد
المقدمة
بادئ ذي بدء، لما كان من حق العامل أن يُقدَّم له العمل وفق المسمى الوظيفي الذي ارتضاه عند التعاقد، فإن هذا الحق لا يقتصر على البيئات التقليدية فحسب، بل يمتد ليشمل البيئات الرقمية التي باتت اليوم تُعد مكانًا للعمل بكل ما تفرضه من التزامات ومتطلبات مهنية، ومع التقدّم التقني المتسارع والتحوّل الرقمي في سوق العمل السعودي، أصبحت الأدوات الرقمية ومنصات الاتصال بيئة عمل حقيقية، يمارس فيها العامل مهامه دون ارتباط بمكانٍ مادي.
لقد أسهم التحول الرقمي في المملكة العربية السعودية، وما رافقه من تطور تقني وتشريعات داعمة، في إعادة تشكيل أنماط العمل والانتقال إلى مفهوم جديد للعمل المنتج والمرن، كما أدى انتشار العمل عن بُعد عقب جائحة كورونا إلى توسع غير مسبوق في اعتماد النماذج الرقمية داخل المنشآت، مما أوجد تحديات جديدة تتعلق بحدود العلاقة العمالية، وحق العامل في بيئة عمل آمنة ومنصفة، حتى وإن كانت بيئة افتراضية، ومن هنا تبرز أهمية حماية حقوق العامل في البيئة الرقمية، خصوصًا فيما يتعلق بضبط ساعات العمل الفعلية، وحماية الخصوصية الرقمية، وضمان عدم تكليفه بمهام خارج نطاق المسمى الوظيفي المتفق عليه، فضلًا عن تأمين بيئة رقمية مناسبة.
- مشكلة الدراسة
تتمثل مشكلة الدراسة في عدة تساؤلات نذكرها على النحو الآتي:
- ماهية عقد العمل عن بعد في النظام السعودي؟
- هل تسري أحكام عقد العمل التقليدي على عقد العمل عن بعد؟
- ماذا يميز عقد العمل عن بعد عن عقد العمل التقليدي؟
- منهج الدراسة
تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي من خلال: تحليل النصوص النظامية ذات العلاقة (نظام العمل ولوائحه، والقرارات المنظمة للعمل عن بُعد)، بالإضافة إلى دراسة الإشكالات العملية المستجدة في بيئة العمل الرقمية.
أهداف الدراسة
1- بيان أثر التحول الرقمي على بيئة العمل في المملكة.
2- تحديد الحقوق الأساسية للعامل داخل البيئة الرقمية.
4- اقتراح حلول وتوصيات تشريعية تُعزز حماية العامل في البيئات الرقمية.
الفصل الأول: الإطار النظامي للعمل الرقمي والعمل عن بعد
المبحث الأول: مفهوم العمل الرقمي والعمل عن بعد
- تعريف وأنواع العمل الرقمي
تختلف طبيعة العمل الرقمي عن طبيعة العمل التقليدي، حيث يعرف الأول بأنه:” نقل العمل إلى العامل، بدلاً من نقل العامل إلى العمل”، وعليه تتسم طبيعة العمل في البيئات الرقمية بأسلوب منظم يهدف لتنفيذ العمل، باستخدام وسائل التكنولوجيا المعلومات، حيث ينفذ العمل خارد إطار العمل المعتاد”.
وكذلك نصت المادة (1) من اللائحة التنفيذية للموارد البشرية في الخدمة المدنية على أن العمل بعد هو:” أداء الموظف لواجباته ومسؤولياته الوظيفية خارج مقر عمل حكومي باستخدام الأنظمة الإلكترونية.
ويختلف العمل الرقمي باختلاف التقنيات المستخدمة من قبل الجهات وباختلاف الأهداف وباختلاف العمل، فنرى بالقضاء اعتماد شبه كلي على (منصة ناجز) في رفع الدعاوى القضائية والترافع فيها حتى صدور الحكم وفق آليات وإجراءات محددة خاصة بالعمل القضائي.
وإما أن يكون بشكل جزئي حيث تعتمد الجهة على أن يكون العمل عن بعد في أيام تحددها أو متى ما طلب ذلك العامل بموافقتها، أو بشكل كامل وهو العمل الذي يمكن تأديته بشكل كامل من خارج مقر العمل الرئيسي التابع لها العامل باستخدام تقنية المعلومات.
- الفرق بين العمل التقليدي والعمل عن بعد
بطبيعة الحال يختلف العمل التقليدي عن العمل عن بعد في عدة أوجه نذكرها على النحو الآتي:
- العمل التقليدي هو العمل الذي يلتزم فيه العامل بالحضور الفعلي إلى مقر صاحب العمل خلال ساعات محددة، وتوافر الرقابة المباشرة من صاحب العمل.
- العمل عن بعد هو العمل الذي يمارس خارج مقر المنشأة، باستخدام تقنية المعلومات، دون الحاجة لحضور العامل فعليًا.
المبحث الثاني: الأساس النظامي الحاكم
- نظام العمل السعودي
يعد نظام العمل السعودي بمثابة الدستور لتنظيم أحكام نظام العمل عن بعد ما لم يرد نص خاص تقتضيه طبيعة العقد.
- نظام حماية البيانات الشخصية (PDPL)
يرتبط نظام حماية البيانات الشخصية بالعمل عن بعد ومقتضياته، حيث يتطلب العمل عن بُعد التزام العامل بحماية بيانات الشركة والعملاء وفق نظام حماية البيانات الشخصية، وصاحب العمل مسؤول عن تأمين بيئة العمل الرقمية، أي جمع أو متابعة للبيانات يجب أن تحترم خصوصية العامل وتكون وفق الأنظمة القانونية
- قواعد الأمن السيبراني المرتبطة بالعمل
في العمل عن بُعد، ترتبط قواعد الأمن السيبراني مباشرة بضمان حماية المعلومات الرقمية، وتشمل تأمين الأجهزة والبرمجيات، استخدام كلمات مرور قوية، تشفير البيانات، الالتزام بسرية المعلومات، والتواصل عبر منصات رسمية، لضمان استمرارية العمل وحماية بيانات الموظفين، والعملاء وفق الأنظمة واللوائح.
الفصل الثاني: حقوق العامل في بيئة العمل الرقمية
المبحث الأول: الحقوق الوظيفية الأساسية
لا يختلف عقد العمل عن بعد عن نظيره عقد العمل التقليدي في تقريره حقوقًا للعامل تعتبر أساسية للأخير، ونذكرها على النحو الآتي:
- الأجر: يستحق العامل أجرًا أساسيًا، وبدلاته الثابتة والمستحقة، بما في ذلك أي حوافز أو علاوات منصوص عليها في عقد العمل أو اللوائح الداخلية لجهة العمل.
- ساعات العمل: يلتزم العامل بساعات العمل المحددة في العقد، على ألا يجوز بجميع الأحوال أن تتجاوز ساعات العمل أكثر من ثماني ساعات في اليوم الواحد، حيث نصت المادة (98) من نظام العمل على:” لا يجوز تشغيل العامل تشغيلًا فعليًّا أكثر من ثماني ساعات في اليوم الواحد، إذا اعتمد صاحب العمل المعيار اليومي، أو أكثر من ثمان وأربعين ساعة في الأسبوع، إذا اعتمد المعيار الأسبوعي. وتخفض ساعات العمل الفعلية خلال شهر رمضان للمسلمين، بحيث لا تزيد على ست ساعات في اليوم، أو ست وثلاثين ساعة في الأسبوع”.
- الإجازات:
–إجازة سنوية عن كل عام لا تقل مدتها عن واحد وعشرين يومًا وقد تصل إلى ثلاثون إذا أمضى العامل لدى صاحب العمل خمس سنوات متصلة وتكون الإجازة بأجر يدفع مقدمًا، استنادًا لنص المادة (109) من نظام العمل.
– إجازة الأعياد والمناسبات، مع حقه في الحصول على أجره كامل استنادًا لنص المادة (112) من نظام العمل.
– الإجازات المرضية، حيث نصت المادة (117) من نظام العمل على:” للعامل الذي يثبت مرضه الحق في إجازة مرضية بأجر عن الثلاثين يومًا الأولى، وبثلاثة أرباع الأجر عن الستين يومًا التالية، ودون أجر للثلاثين يومًا التي تلي ذلك خلال السنة الواحدة، سواء أكانت هذه الإجازات متصلة أم متقطعة، ويقصد بالسنة الواحدة: السنة التي تبدأ من تاريخ أول إجازة مرضية”.
- حق العامل في الفصل بين وقت العمل ووقت الراحة:
يلتزم صاحب العمل بضمان قدرة العامل على الفصل بين ساعات العمل وساعات الراحة، حتى عند أداء العمل عن بعد، بما يحقق التوازن بين حياته المهنية والشخصية ويحافظ على صحته الجسدية والنفسية، حيث نص نظام العمل في المادة (101) على:” تنظم ساعات العمل وفترات الراحة خلال اليوم، بحيث لا يعمل العامل أكثر من خمس ساعات متتالية دون فترة للراحة والصلاة والطعام لا تقل عن نصف ساعة في المرة الواحدة خلال مجموع ساعات العمل، وبحيث لا يبقى العامل في مكان العمل أكثر من اثنتي عشرة ساعة في اليوم الواحد”.
فضلاً عن تخصيص يوم الراحة الأسبوعية لجميع العمال وهو يوم الجمعة، على أن يكون بأجر كامل، ولا يقل عن أربع وعشرين ساعة متتالية، استنادًا على المادة (104) من نظام العمل السعودي.
المبحث الثاني: الحقوق الرقمية الخاصة
- خصوصية العامل
لما كان الحق في الخصوصية حقًا أصيلاً لكل إنسان، فإن هذا الحق يزداد أهمية في البيئات الرقمية، حيث يشمل حماية العامل من أي تنصت أو مراقبة غير قانونية أثناء أداء مهامه عن بعد، بما يضمن احترام حياته الشخصية ويتوافق مع نظام العمل السعودي ونظام حماية البيانات الشخصية (PDPL).
- حماية بياناته
أصبحت بيانات العاملين الشخصية تُخزن رقميًا، ويزداد ذلك تأثيرًا على العامل الذي يؤدي مهامه عن بُعد، حيث يتعامل مع بيئة العمل بشكل أكبر رقميًا، مما يعزز الحاجة إلى حماية بياناته وخصوصيته وفق نظام حماية البيانات الشخصية واللوائح التنفيذية للعمل عن بُعد، إذ تتميز البيانات الشخصية بارتباطها الوثيق بصاحبها حيث تعكس هويته بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يستلزم عدم التعدي على بيانات أي عامل عبر استخراج معلومات تفصيلية عنه.
- حدود مراقبته إلكترونيًا
نص نظام البيانات الشخصية على مبادئ المعالجة المشروعة للبيانات الشخصية، أي وضع حدود لا تمثل اعتداءً على البيانات الشخصية عند الالتزام بها نذكرها على النحو الآتي:
- مبدأ المشروعية والشفافية: يجب على الجهة المعنية جمع البيانات الشخصية بطريقة واضحة ومباشرة، بما يشمل الحصول على موافقة صاحب البيانات وإبلاغه بالكيفية والغاية من جمعها، استنادًا إلى المادة (5) من نظام حماية البيانات الشخصية.
- مبدأ تحديد الغرض: يجب أن يكون الغرض من جمع البيانات الشخصية مشروعًا ويهدف إلى تحقيق مصلحة قانونية محددة، وفقًا للمادة (11) من نظام حماية البيانات الشخصية، التي نصّت على عدم جواز جمع البيانات الشخصية التي لا ترتبط مباشرة بالأهداف والأغراض المصرح بها للجهة المسؤولة عن المعالجة.
- مبدأ الحد الأدنى من البيانات: تقتصر عملية جمع البيانات الشخصية على الحد الأدنى الضروري الذي يخدم أهداف المعالجة، بما يضمن عدم الإفراط في جمع بيانات لا حاجة لها، وفق ما جاء في النظام واللوائح التنفيذية ذات الصلة.
- حقه في بيئة رقمية آمنة
يتوجب على صاحب العمل توفير بيئة رقمية آمنة تشمل الأجهزة، الشبكات، والبرمجيات، لحماية بيانات العامل والعملاء، وضمان استمرارية العمل وفق نظام العمل واللائحة التنفيذية وأنظمة الأمن السيبراني المعمول بها، ومن أبرز النصوص النظامية التي نصت على أن البيئة الرقمية تعتبر حقًا للعامل يستوجب على العامل الالتزام بها هي المادة (9) من اللائحة التنفيذية على:
- تعمل الجهة الحكومية على بناء بنية تنظيمية سليمة وتخطيط فعال وسليم لتحسين كفاءة وفاعلية الموارد البشرية.
- على الجهة الحكومية لضمان العمل عن بعد القيام بما يأتي:
- الحفاظ على أمن وسرية المعلومات، وتطبيق معايير الأمن السيبراني، وإبلاغ الموظف عن بعد بسياسات الأمن السيبراني.
- توفير ما يلزم من خدمات البنية التحتية والتطبيقات اللازمة من الأجهزة والمستلزمات التي يتطلبها العمل عن بعد، وتوفير الدعم التقني والفني اللازم.
- متابعة الموظفين الذي يعملون عن بعد، الكترونيًا والتأكد من التزامهم بساعات العمل.
الفصل الثالث: التزامات صاحب العمل ومسؤوليات العامل
المبحث الأول: التزامات صاحب العمل
يقع على عاتق صاحب العمل مجموعة من الالتزامات التي تفرضها طبيعة العمل عن بُعد، وذلك لضمان بيئة عمل رقمية، تُمكّن العامل من أداء مهامه بكفاءة، وتتمثل أهم هذه الالتزامات فيما يأتي:
- توفير أدوات العمل أو التعويض عنها:
يلتزم صاحب العمل بتأمين الوسائل التقنية والمعدات اللازمة لتمكين العامل من أداء مهامه عن بُعد، مثل الأجهزة، البرمجيات، وخدمات الاتصال، وذلك لتمكين العامل من العمل وفق ما تم الاتفاق عليه مع اتخاذ كافة وسائل الحماية.
- تعزيز الحماية السيبرانية:
يتوجب على صاحب العمل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأنظمة التقنية والبيانات المرتبطة بالعمل، عبر تزويد العامل ببرامج الحماية المناسبة، ووضع سياسات واضحة للأمن السيبراني تمنع الاختراق أو إساءة استخدام البيانات، ويأتي هذا الالتزام من منطلق نص المادة (122) من نظام العمل بقولها: “على كل صاحب عمل أن يتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية العمال من الأخطار والأمراض الناجمة عن العمل، والآلات المستعملة، ووقاية العمل وسلامته، وعليه أن يعلن في مكان ظاهر في المنشأة التعليمات الخاصة بسلامة العمل والعمال، وذلك باللغة العربية وبأي لغة أخرى يفهمها العمال عند الاقتضاء، ولا يجوز لصاحب العمل أن يحمّل العمال أو يقتطع من أجورهم أي مبلغ لقاء توفير هذه الحماية”.
- إقرار سياسات العمل الرقمية: يجب على صاحب العمل إعداد سياسات ولوائح تنظيمية توضح آلية العمل عن بُعد، ساعات العمل، آلية التواصل، الإجراءات المتبعة في حال الأعطال التقنية، وضوابط استخدام الشبكات والأجهزة، كما يلتزم بإبلاغ العامل بها وتدريبه عند الحاجة.
- ضمان التقييم العادل للأداء:
يلتزم صاحب العمل بوضع معايير واضحة وموضوعية لتقييم أداء العامل عن بُعد، بحيث تستند على مخرجات العمل وجودته دون الإخلال بمبدأ المساواة بين العاملين حضورياً والعاملين عن بُعد، وبما يضمن عدم تعرّضهم لأي تمييز بسبب طبيعة العمل.
المبحث الثاني: مسؤوليات العامل
- الالتزام بساعات العمل
لا يختلف الأمر بالنسبة إلى العامل المرتبط بعقد عمل عن بعد عن العامل المرتبط بعقد عمل تقليدي بالنسبة إلى الالتزام الذي يفرض عليهم الالتزام بساعات العمل المقررة لهم، حيث يقع على العامل التزامًا يفرض عليه الالتزام بساعات عمله،
- حماية الأجهزة
بالإضافة إلى الالتزام بساعات العمل يجب على العامل اتخاذ ما يلزم لحماية الأجهزة التي تحت عهدته، ومن ذلك:
– تشغيل الأجهزة والمعدات بالطريقة الصحيحة والمسموح بها وفق تعليمات الشركة أو المصنع.
– عدم ترك الأجهزة في أماكن مكشوفة أو غير آمنة قد تؤدي إلى السرقة أو التلف.
– حماية البيانات الموجودة على الأجهزة وعدم تسريبها أو مشاركتها مع أطراف خارجية.
- السرية وحفظ البيانات
يلتزم العامل بالمحافظة على سرية جميع المعلومات والبيانات التي يحصل عليها بحكم عمله، وعدم إفشائها أو استخدامها لغير الأغراض المصرح بها، سواء خلال مدة العقد أو بعد انتهائه، وذلك وفقًا للسياسات المعتمدة لدى صاحب العمل، ومن أبرز الأمثلة على ذلك حفظ بيانات التجارية والمالية للشركة، أو البيانات الشخصية للعملاء والموظفين.
- استخدام الأنظمة بما يتوافق مع التعليمات
يجب على العامل استخدام الأنظمة الإلكترونية، والأدوات التقنية، ووسائل الاتصال المملوكة لصاحب العمل بما يتوافق مع التعليمات والسياسات الداخلية، وبما يضمن حماية البيانات، أو عدم تعريض الأنظمة للمخاطر الأمنية أو التقنية.
الفصل الرابع: المنازعات العمالية الرقمية
المبحث الأول: أبرز المنازعات الشائعة
- إبراز ساعات العمل
يظهر هذا النوع عند مطالبة العامل بتنفيذ مهام أو حضور اجتماعات رقمية خارج وقت العمل الرسمي دون توثيق أو تعويض، وهو ما يثير خلافًا حول مدى إلزامية هذا التكليف وطبيعته.
- التكليف خارج وقت العمل
يظهر هذا النوع عند مطالبة العامل بتنفيذ مهام أو حضور اجتماعات رقمية خارج وقت العمل الرسمي دون توثيق أو تعويض، وهو ما يثير خلافًا حول مدى إلزامية هذا التكليف وطبيعته، لا سيما ما إذا كان التكليف شفاهيًا من قبل صاحب العمل، الأمر الذي يقضي أهمية توثيقه عبر الأنظمة المعتمدة للحد من النزاعات وحفظ حقوق الطرفين.
- الخلاف على الأدوات الرقمية
تتعلق هذه المنازعات بملكية الأجهزة والبرمجيات المستخدمة في العمل، ومسؤولية صيانتها أو تلفها، إضافة إلى استخدام العامل للأدوات الرقمية التابعة لصاحب العمل في أغراض غير مهنية.
- قضايا الخصوصية والخروقات السيبرانية
تتمثل هذه القضايا في النزاعات الناتجة عن الوصول غير المصرح به للمعلومات، أو مراقبة بيانات العامل، أو حدوث اختراقات تقنية بسبب الإهمال، مما يثير مسؤوليات مشتركة بين العامل وصاحب العمل في حماية البيانات.
المبحث الثاني: الإثبات وحل النزاعات
تتعدد وسائل الإثبات الإلكترونية في بيئة العمل الرقمية في عدة نقاط نذكرها على النحو الآتي:
- الأدلة الإلكترونية
تشمل جميع البيانات الرقمية التي يمكن استخدامها لإثبات النزاعات، مثل سجلات الحضور، سجلات الدخول على الأنظمة، والتقارير الإلكترونية.
- رسائل البريد والأنظمة الداخلية
تعتبر المراسلات الإلكترونية ورسائل البريد، وسجلات الأنظمة الداخلية، أدوات هامة لإثبات التكليفات والمهام والتعليمات الصادرة عن صاحب العمل.
- التسوية الودية
تُعد التسوية الودية وسيلة أولية لحل المنازعات دون اللجوء للإجراءات الرسمية، وتشمل التفاهم المباشر بين العامل وصاحب العمل أو تدخل الوساطة الداخلية للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين إن أمكن ذلك أو إحالة الدعوى للمحكمة العمالية خلال (21) يوم عمل من تاريخ أول جلسة.
- التحقيق العمالي
يُجرى عند نشوء نزاع يستدعي جمع المعلومات والبيانات من الأطراف المختلفة، بما في ذلك مراجعة الأدلة الرقمية، والتأكد من التزام الطرفين بالأنظمة والسياسات الداخلية، بهدف الوصول إلى حل عادل للنزاع.
- المحكمة العمالية
تختص المحكمة العمالية بالفصل في المنازعات العمالية الرقمية عندما تفشل التسوية الودية أو التحقيق الداخلي في حل النزاع، وبشكل عام تختص المحكمة العمالية بالنظر في جميع النزاعات الناشئة بين العامل وصاحب العمل، بما في ذلك القضايا المتعلقة بعقود العمل، الأجور، ساعات العمل، المهام الإضافية، والفصل التعسفي.
الخاتمة
وفي ختام هذا البحث الذي تناولنا من خلاله حقوق العامل في بيئة رقمية تختلف في طبيعتها عن تلك البيئة التقليدية التي يعمل فيها العامل بالتعامل مع الواقع المادي، ويتضح أن التحول الرقمي في بيئة العمل أحدث تحديات جديدة وفرصًا متنوعة على حد سواء، فالاعتماد على الأنظمة الإلكترونية، والأدوات الرقمية، والبرمجيات الحديثة، جعلت العلاقة بين العامل وصاحب العمل أكثر تعقيدًا، مما استدعى دراسة المنازعات الناشئة في هذا السياق ووضع آليات مناسبة لحلها.
وتوصلنا إلى عدة نتائج نذكرها على النحو الآتي:
- إمكانية تطبيق أحكام عقد العمل التقليدي على عقد العمل عن بعد مع مراعاة خصوصيته.
- أهم ما يميز عقد العمل عن بعد هو إن مكان العمل يكون من اختيار العامل، إذ لا يقع على صاحب العمل إلا إن يوفر له أدوات تمكنه من أداء عمله على المناط المتفق عليه في العقد.
- يتميز عقد العمل عن بعد بعنصريين أساسيين: أولهما ضرورة أن يتم أداء العمل خارج المقر المعتاد لصاحب العمل، بالإضافة إلى أن يتم إنجاز العمل عن طريق استخدام تقنيات الاتصالات والمعلومات.
-التوصيات:
1- وضع سياسات وإجراءات واضحة لضمان حماية البيانات والخصوصية، بما يشمل الأدوات الرقمية والبريد الإلكتروني والأنظمة الداخلية.
2- تقديم التدريب المستمر على استخدام الأنظمة الرقمية وتطبيق إجراءات الأمن السيبراني لمنع الاختراقات المحتملة.
3- وضع برامج متابعة وقياس رضا العاملين عن بيئة العمل الرقمية، بهدف تحسين الأداء وضمان بيئة عمل عادلة ومرنة.
قائمة المراجع والمصادر
- نظام العمل السعودي، الصادر بمرسوم ملكي بتاريخ 23/8/1426هـ.
- اللائحة التنفيذية للموارد البشرية في الخدمة المدنية لعام (2020م).
- مطير، ذو الفقار. “عقد العمل الالكتروني”، مجلة كلية القانون والعلوم السياسية، (٦): ٣٨١-٣٩٨.
- خالد خياط، رضا العبد، “أثر التطور التقني على العلاقات العمالية في المملكة العربية السعودية”، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، (١٠): ٢٣٣٣-٢٣٥٨.
- -بارودة خالد، عجالي بخالد، ” خصوصية عقد العمل عن بعد”، مجلة قانون العمل والتشغيل، (٤): ١٧٨-١٩٣.
- التريكي، عبد الله. ” حماية البيانات الشخصية في النظام السعودي”، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، (٣): ١١١٥-١١٢٧.


أكتب تعليقا