الضمانات النظامية للمتهم في جريمة الغش التجاري دراسة تحليلية في عبء الإثبات، والنية الجنائية، وإشكالات الضبط
المقدمة
نظير ما تشهده المملكة العربية السعودية من تطور متسارع في جميع المجالات، لا سيما في القطاع الاقتصادي والتجاري والسياحي، أصبحت حماية السوق والمستهلك من الغش التجاري تمثل ضرورة قصوى للحفاظ على نزاهة المنافسة وثقة المستهلكين، ورغم تشديد الأنظمة والعقوبات المتعلقة بالغش التجاري، فإن المتهمين يتمتعون بمجموعة من الضمانات النظامية الأساسية التي تضمن تحقيق العدالة، بما في ذلك عبء الإثبات، وفحص النية الجنائية، وإشكالات ضبط الأدلة.
تكتسب دراسة هذه الضمانات أهمية خاصة بالنظر إلى طبيعة الاتهامات التجارية وحساسيتها على السمعة والنشاط التجاري للأفراد والشركات، إذ يمكن أن يؤدي توجيه الاتهام بالغش التجاري إلى آثار كبيرة، سواء على مستوى الثقة في السوق أو على مستوى الأعمال والشركات المعنية. ومن هذا المنطلق، يبرز حرص النظام القضائي على حماية حقوق المتهم، وضمان ألا تتحول الإجراءات القانونية إلى أداة للظلم أو التجريم المسبق، من خلال حق الدفاع، واستدعاء الأدلة، والاستجواب العادل، والتمتع بالضمانات الإجرائية.
وتهدف هذه الدراسة إلى تحليل هذه الضمانات من منظور قانوني، مع استعراض أهم التحديات العملية التي تواجه جهات الضبط والتحقيق، وإبراز الدور الذي تلعبه هذه الضمانات في حماية حقوق جميع الأطراف وضمان سير العدالة الجنائية بشكل متوازن وموضوعي.
مشكلة البحث
على الرغم من وضوح النصوص القانونية المتعلقة بالغش التجاري في النظام السعودي، إلا أن تطبيقها أحياناً يشهد توسعاً في توجيه الاتهامات ضد الأفراد والشركات، مع ضعف التحقق من توافر الركن المعنوي أو القصد الجنائي للمتهم، ويثير هذا الموقف تساؤلات قانونية حول عبء الإثبات، وضمانات المتهم، وصحة إجراءات الضبط والتحقيق.
منهج البحث
نعتمد في هذه الدراسة على المنهج الوصفي، كونه الأمثل لعنوان الدراسة الحالية لتوضيح نطاقها الموضوعي كما هو، بالإضافة إلى المنهج التحليلي لتحليل لنصوص الأنظمة ذات الصلة لفهمها وتوضيحها وتطبيقها على موضوع البحث.
الفصل الأول: الإطار النظامي لجريمة الغش التجاري
- تعريف الغش التجاري وفق النظام السعودي
تعددت تعاريف الغش التجاري فمنهم من عرفه بأنه ما يخلط الرديء بالجيد، أو أنه وفق المذهب الحنبلي بأنه” كتمان العيب عن المشتري مع علمه به أو غطاءه عنه بما يوهم المشتري عدمه ولم يعلم به المشتري”.
- أما في النظام السعودي فقد ورد تعريفًا للمنتج المغشوش في المادة (1) بأنه:
أ – كل منتج دخل عليه تغيير أو عبث به بصورة ما مما أفقده شيئًا من قيمته المادية أو المعنوية، سواء كان ذلك بالإضافة أو بالإنقاص أو بالتصنيع أو بغير ذلك، في ذاته، أو طبيعته أو جنسه أو نوعه أو شكله، أو عناصره أو صفاته أو متطلباته أو خصائصه أو مصدره أو قدره سواء في الوزن، أو الكيل، أو المقاس، أو العدد، أو الطاقة، أو العيار.
ب – كل منتج غير مطابق للمواصفات القياسية المعتمدة.
ج – المنتج الفاسد: كل منتج لم يعد صالحًا للاستغلال أو الاستعمال أو الاستهلاك وفق ما تبينه اللائحة.
مما يتبين بأن الغش التجاري لا يكون إلا عند توافر حالتين وهي:
- حدوث تغيير جوهري في المنتج من شأنه أن ينقص من قيمته أو طبيعته أو منفعته المتوقعة للمستهلك.
- عدم مطابقة المنتج للمقاييس المعتمدة الصادرة من الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس أو الصادرة من جهات أخرى سواء كانت محلية أو دولية.
- نطاق تطبيق النظام على الأفراد والمنشآت
يتسع نطاق تطبيق نظام مكافحة الغش التجاري ليشمل جميع الأفراد والمنشآت التي تمارس نشاطًا تجاريًا داخل المملكة، بما في ذلك التجار، والموردون، والمصنعون، ومقدمو السلع أو الخدمات، سواء كانوا أشخاصًا طبيعيين أو اعتباريين. ويهدف هذا الاتساع إلى ضمان حماية المستهلك وتنظيم بيئة السوق من أي ممارسات تنطوي على غش أو تضليل.
حيث جاءت المادة (2) من نظام مكافحة الغش التجاري بالنص بشكل عام على المخالفات التي يعد مرتكبها مخالفًا للنظام وذلك بقولها:
يعد مخالفًا لأحكام هذا النظام كل من:
- خدع – أو شرع في الخداع – بأي طريقة من الطرق في أحد الأمور الآتية:
أ – ذاتية المنتج، أو طبيعته، أو جنسه، أو نوعه، أو عناصره، أو صفاته الجوهرية.
ب – مصدر المنتج.
ج – قدر المنتج، سواء في الوزن، أو الكيل، أو المقاس، أو العدد، أو الطاقة، أو العيار.
- غش – أو شرع – في غش المنتج.
- باع منتجًا مغشوشًا، أو عرضه.
- حاز منتجًا مغشوشًا بقصد المتاجرة.
- صنع منتجات مخالفة للمواصفات القياسية المعتمدة، أو أنتجها أو حازها، أو باعها، أو عرضها.
- استعمل آنية، أو أوعية، أو أغلفة، أو عبوات، أو ملصقات، مخالفة للمواصفات القياسية المعتمدة، وذلك في تجهيز – أو تحضير – ما يكون معدًّا للبيع من المنتجات.
- عبأ منتجًا، أو حزمه، أو ربطه، أو وزعه، أو خزنه، أو نقله، بالمخالفة للمواصفات القياسية المعتمدة.
- استورد عبوات، أو أغلفة، أو مطبوعات تستعمل في الغش، أو صنعها، أو طبعها، أو حازها، أو باعها، أو عرضها.
- استورد منتجًا مغشوشًا.
- تمييز الغش التجاري عن المخالفات الإدارية البسيطة
يمكن تمييز الغش التجاري عن المخالفات الإدارية البسيطة بعدة خصائص نذكرها على النحو الآتي:
يتضمن عنصر تضليل جوهري للمستهلك، بحيث يشمل أفعالًا مثل:
- تغيير حقيقة السلعة.
- اصطناع أو تزوير بيانات غير صحيحة.
- إخفاء عيب جوهري يؤثر على سلامة المستهلك أو مصلحته المالية.
- يترتب عليه ضرر على صحة المستهلك أو أمواله.
- حدود المسؤولية الجنائية للمتهم قبل ثبوت القصد الاحتيالي
لا تقوم المسؤولية الجنائية في جرائم الغش التجاري إلا بثبوت القصد الاحتيالي لدى المتهم، وهو الركن المعنوي الذي يميز الجريمة الجنائية عن المخالفات العادية، التي يمكن تعريفه بأنه:” العلاقة النفسية بين السلوك الإجرامي ونتائجه وبين مسؤولية الفاعل عن الفعل”.
ويظل المتهم قبل ثبوت هذا القصد في نطاق الاشتباه المجرد الذي لا يكفي وحده لقيام المسؤولية الجنائية. ولذلك، يُشترط لإدانته إثبات أنه كان على علم بعدم صحة البيانات أو بوجود العيب الجوهري، وأنه تعمد إخفاء الحقيقة أو تقديم معلومات مضللة لتحقيق منفعة غير مشروعة، وبذلك يتوافر القصد الجنائي ما لم يبعدها باعد من جهل أو خطأ.
الفصل الثاني: الركن المادي وصعوبات إثباته لصالح المتهم
- شروط قيام الركن المادي
عند الحديث عن الركن المادي في جريمة الغش التجاري، فإنه يتحقق متى وُجد فعل مادي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام نظام مكافحة الغش التجاري، وذلك وفق السلوكيات التي عددتها المادة (2) من النظام. ويتمثل هذا الركن في قيام الجاني بارتكاب أحد أفعال الغش أو الخداع أو التدليس تجاه المستهلك، ومع توافر هذا السلوك المجرّم، واقترانه بالركن الشرعي والركن المعنوي، تقوم الجريمة بكامل عناصرها وتنعقد المسؤولية الجنائية على الفاعل.
ومن هذا المنطلق تتمثل ماديات جريمة الغش التجاري بعدة سلوكيات نذكرها على النحو الآتي:
- ساوى المنظم السعودي بين بيع المنتج المغشوش وبين مجرد عرضه للتداول؛ إذ اعتبر كلا السلوكين محققًا للركن المادي وموجبًا للمساءلة الجنائية متى ثبت وجود الغش أو التضليل في المنتج.
- حاز منتجًا مغشوشًا بقصد المتاجرة.
- حالات الحيازة غير المقصودة أو غير المرتبطة بالتجارة
اشترط المنظم السعودي لقيام الركن المادي في جريمة الغش التجاري توافر الحيازة المقترنة بقصد المتاجرة، باعتبار أن هذا القصد يُشكل مناط التجريم ويمثل الحد الفاصل بين الحيازة المباحة والحيازة المجرمة، ويرجع ذلك إلى أن تداول المنتجات المغشوشة يدخل في دائرة الأفعال التي تمسّ مصالح المستهلك الجوهرية، وتتعلق بضرورياته الأساسية كالغذاء والشراب والدواء وما في حكمها.
وبناءً على ذلك، فإن الحيازة التي تخلو من قصد البيع، سواء كانت عرضية أو لغير غرض المتاجرة، لا تستوفي عناصر الركن المادي ولا تترتب عليها المسؤولية الجنائية وفقًا لنظام مكافحة الغش التجاري.
- بطلان الضبط أو عدم اكتمال عناصر المعاينة
يقع التزام ضبط مخالفات أحكام نظام مكافحة الغش التجاري على عدة وزارات نصت عليها المادة (5) من النظام بقولها:” يتولى موظفون من وزارة التجارة والصناعة، ووزارة الشئون البلدية والقروية، ووزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، والهيئة العامة للغذاء والدواء– يصدر بتعيينهم قرار من الوزير بعد موافقة جهاتهم– مجتمعين أو منفردين ضبط مخالفات أحكام هذا النظام وإثباتها، ويعدون من مأموري الضبط القضائي، ويكونون تحت مسؤولية وإشراف الوزارة”.
ونصت المادة (9) من النظام على:” يحظر منع مأموري الضبط القضائي من تأدية أعمال وظائفهم في التفتيش والضبط، ودخول المصانع، أو المخازن، أو المتاجر، أو غيرها من المحلات، أو الحصول على عينات من المنتجات المشتبه بها، وعلى مأموري الضبط القضائي تقديم ما يثبت أنهم من مأموري الضبط، ويحق لهم إغلاق المحل لحين مراجعة التاجر صاحب المحل وتمكينهم من الدخول”.
ويفهم من هذا النص أن اكتمال عناصر المعاينة والتحقق من وجود سلع مغشوشة أو ممارسات تجارية مخالفة يتطلب تمكين الموظفين المخولين بصفة مأموري الضبط القضائي من أداء اختصاصاتهم النظامية في التفتيش والضبط والدخول إلى الأماكن محل الاشتباه، وبذلك تُعد المعاينة إجراءً نظاميًا لا تكتمل عناصره إلا بتوفير الحماية القانونية اللازمة لسلطة الضبط، وتمكينها من الوصول إلى السلع محل الفحص، وأخذ العينات، وإثبات الوقائع على نحو يضمن سلامة الإجراءات ومشروعيتها.
- دفوع المتهم المتعلقة بنسب العينات والكميات المضبوطة
يدّعي المتهم أن العينات المأخوذة أثناء الضبط لا تمثل جميع المضبوطات، وأن الكميات المثبتة في محاضر الضبط غير دقيقة. ويهدف المتهم من هذا الدفع إلى التشكيك في صحة الدليل المادي المقدم ضده.
ويستند المتهم عادة إلى أن:
– هناك اختلاف بين ما وثّقه مأمور الضبط وما تم تحريزه فعليًا.
– طريقة أخذ العينة أو حفظها أو وصفها شابها قصور.
– الكمية الفعلية أقل مما ورد في المحضر، مما قد يؤثر على وصف الجريمة.
ومع ذلك، لا يُعتد بهذا الدفع إلا إذا قدم المتهم دليلًا قويًا يثبت وجود خطأ جوهري في إجراءات الضبط، إذ أن الأصل هو صحة محاضر مأموري الضبط القضائي ما لم يثبت العكس.
الفصل الثالث: الركن المعنوي (القصد الجنائي) ودفوع نفي العلم
- اشتراط العلم بالغش لإثبات الجريمة
جريمة الغش التجاري من الجرائم العمدية التي تطلب لقيامها توافر القصد العام بعنصريه العلم والإرادة، إذ يشترط علم الجاني بعدم سلامة المنتجات وأنها مغشوشة ومع ذلك تتجه إرادته إما لبيعها، أو عرضها أو حيازتها بقصد المتاجرة.
بالتالي العلم بالغش شرط أساسي لإثبات الجريمة استنادًا لنص المادة (2) من نظام مكافحة الغش التجاري.
- الدفع بانتفاء العلم لدى المالك أو المدير
يعتبر الدفع بانعدام العلم، أي انتفاء الركن المعنوي للجريمة، من أهم الدفوع التي قد يتنصل بها المتهم عن المسؤولية في جريمة الغش التجاري. ويقوم المتهم من خلال هذا الدفع بإثبات أنه لم يكن لديه قصد الغش أو التدليس عند عرض أو بيع أو حيازة المنتجات المغشوشة.
يمكن للمتهم تقديم هذا الدفع باستخدام جميع وسائل الإثبات، ومن أبرزها تقديم المستندات والوثائق التي تثبت حرصه على أن تكون المنتجات مطابقة لمعايير الجودة العالية، بما يبيّن أنه تصرّف بنية مشروعة وبدون قصد التلاعب أو الغش التجاري.
- مسؤولية الموظف أو العامل وغياب صلة المتهم الفعلية بالواقعة
يمكن للمتهم أن يدفع بعدم مسؤوليته عن جريمة الغش التجاري إذا ثبت أن الفعل المنسوب إليه وقع بواسطة موظف أو عامل دون علمه أو تفويضه، أي غياب الصلة الفعلية بينه وبين الواقعة. ويهدف هذا الدفع إلى استبعاد الركن المعنوي للمتهم وإثبات أنه لم يكن طرفًا في الفعل المجرم، سواء من حيث العرض أو البيع أو الحيازة أو الغش في المنتج.
- الأخطاء التجارية التي لا تعد غشًا
قد يقدم المتهم دفوعًا قائمة على أن ما وقع منه أو من موظفيه كان خطأً تجاريًا غير مقصود، ولا يرقى إلى الغش التجاري، ومن أمثلة ذلك:
- سوء التخزين للمنتجات.
- خطأ في التوريد أو الشحن.
- جهل فني يتعلق بالمواصفات أو طبيعة المنتج.
ويستند هذا الدفع إلى تمييز الأخطاء العرضية أو المهنية عن الأفعال المتعمدة التي تنطوي على قصد الخداع أو التدليس، وهو أمر ضروري لتحديد المسؤولية الجنائية بدقة.
الفصل الرابع: عبء الإثبات والقرائن التي تفسر لصالح المتهم
- عبء الإثبات يقع على جهة الاتهام وليس المتهم
لا مناص من أن البينة تقع على من ادعى، واليمين على من أنكر، ولا سيما في القضايا التجارية، ففي جرائم الغش التجاري يتطلب الأمر ضبط المنتجات محل الاشتباه وفحصها فنيًا، ثم بناءً على نتيجة الفحص يُحدد ما إذا كان للادعاء وجه قائم تجاه المتهم من عدمه.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ قد تتحقق حالة التلبس في جرائم الغش التجاري؛ حيث نصت المادة (السادسة) من النظام على أنه: “إذا وجدت لدى مأمور الضبط القضائي أسبابٌ قوية تحمله على الاعتقاد بأن هناك مخالفةً لأحكام هذا النظام، جاز له سحب عينات من المنتج المشتبه به لتحليلها، وتحرير محضر ضبط بهذه الواقعة يحتوي على جميع البيانات اللازمة للتثبت من العينات نفسها والمنتج الذي أُخذت منه، وفقاً لما تبينه اللائحة”.
- حدية القرائن الضعيفة وأثرها على البراءة
وفي سياق تقدير الدليل في قضايا الغش التجاري، لا يُكتفى بمجرد قيام شبهة أولية، بل يلزم أن تُعزز بإثبات فني وإجرائي واضح ينهض للقناعة القضائية، ولذا فإن ظهور مؤشرات تُضعف الاتهام أو تكشف عن احتمال قائم لسلامة المنتج أو حسن نية المتهم يُعد من القرائن التي تُفسَّر لصالحه، ومن ذلك ما يأتي:
– وجود فواتير شراء نظامية من مورّد معتمد بما يدل على حسن النية.
– سلامة العبوات وعدم وجود أي أثر للتلاعب أو إعادة التعبئة.
– خلو السجل التجاري للمتهم من شكاوى أو سوابق تتعلق بالغش.
– تباين نتائج المختبر أو عدم حسمها بشكل قاطع.
– نقص البيانات الجوهرية في محضر الضبط أو في سلسلة حيازة العينة.
– وجود اختلافات فنية مقبولة لا ترقى لاعتبار المنتج مغشوشًا.
- الدفع بعدم اكتمال أدلة المختبر أو مخالفتها للإجراءات
من أهم الدفوع التي لها أثرها في جريمة الغش التجاري الدفع بعدم اكتمال أدلة المختبر أو أن هذا الإجراء قد شابه القصور، نصّت اللائحة التنفيذية لنظام مكافحة الغش التجاري على إجراءات جوهرية عند ضبط المخالفات، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: تحرير محضر (مادة 8):
يلتزم مأمور الضبط القضائي عند ضبط المنتجات أو حجزها أو سحب عينات أو مصادرتها أو إتلافها أو إغلاق محل أو فتحه أو ضبط إفادات المخالفين، بتحرير محضر يتضمن:
1- تاريخ المحضر ومكان ضبط المخالفة.
2- البيانات التجارية للمنشأة وتراخيص مزاولة النشاط.
3- اسم مأمور الضبط واسم صاحب المنشأة أو من يمثله أو أحد العاملين، واسم من يتم ضبطه متلبسًا بالغش وتواقيعهم.
4-اسم المنتجات وكمياتها وبياناتها التجارية، وتحديد نوع المخالفة ومكان ضبطها والأدوات المستخدمة.
ثانيًا: سحب العينات (مادة 9):
1- إثبات واقعة السحب بمحضر.
2- سحب العينات بطريقة عشوائية وبكميات تراعي الكمية المضبوطة ونوع العبوات والمواصفات المعتمدة ومتطلبات الفحص وحفظها ونقلها.
3- وضع ملصق على كل عينة يشمل: اسم العينة وصاحبها، تاريخ أخذها، الرقم التسلسلي.
- تدوين بيانات العينة في سجل سنوي متسلسل.
- لا يستحق صاحب العينة تعويضًا عنها، وتُعاد المنتجات ذات القيمة العالية بعد الفحص إذا ثبتت صلاحيتها.
ثالثًا: مدد الفحص والتحليل (مادة 10):
- فحص المنتجات الغذائية وإصدار النتيجة خلال 15 يومًا من تسليم العينة للمختبر.
- فحص المنتجات غير الغذائية خلال 45 يومًا.
- تُبلّغ الجهة الساحبـة التاجر بنتائج فحص المنتجات غير الغذائية خلال 7 أيام من ورود النتيجة.
رابعًا: سحب المنتج المغشوش (مادة 11):
1- يلتزم المنتج، أو المستورد أو الموزع أو البائع بسحب المنتج المغشوش على نفقته فور علمه أو إبلاغه بأي وسيلة معتمدة.
2- نشر إعلان عن سحب المنتج على نفقة المخالف خلال أسبوع في صحيفتين يوميتين (إحداهما في مقر المنشأة والأخرى في موقع المخالفة).
3- تقوم الوزارة والجهات المختصة بنشر إعلان السحب في وسائل الإعلام ومواقعها الإلكترونية، وإبلاغ الغرف التجارية وجمعية حماية المستهلك.
4- يلتزم المخالف بإبلاغ جهة الضبط بالكميات التي تم سحبها أولًا بأول، ويتولى مأمورو الضبط إعداد المحاضر.
5- سحب المنتج المغشوش من الأسواق خلال 15 يومًا من اكتشاف الغش أو إبلاغه به.
- دور الشك المعقول في تفسير الغموض لصالح المتهم
يلعب الشك المعقول دورًا جوهريًا في تفسير الغموض لصالح المتهم، إذ متى وجد غموض في الأدلة أو التفسير، وجب ترجيح ما يفيد المتهم تنفيذًا لقرينة البراءة، ودرءًا على احتمالات لا ترقى لليقين.
الفصل الخامس: بطلان إجراءات الضبط والتفتيش
- التفتيش دون إذن أو خارج الصلاحية
يُعد التفتيش غير المشروع أحد أوجه بطلان إجراءات الضبط، وذلك إذا تم دون الحصول على إذن نظامي، أو جرى خارج نطاق الصلاحيات المقررة لمأمور الضبط القضائي، مما يفقد الإجراء مشروعيته ويُضعف القيمة الإثباتية لما يترتب عليه من نتائج.
- عدم توثيق الإجراءات وانقطاع “سلسلة الحيازة” للعينات
تبدأ إجراءات الضبط التجاري بتحرير محضر حيث يلتزم مأمور الضبط القضائي بتدوين جميع البيانات المتعلقة بالواقعة، وإثبات ما تم اتخاذه من إجراءات على العينات المضبوطة، وذلك لضمان سلامة سلسلة الحيازة وعدم انقطاعها، كما نصت عليه المادة (8) من لائحة نظام مكافحة الغش التجاري سالفة الذكر.
- الدفع ببطلان المحضر وأثره في إسقاط الاتهام
يمثل الدفع ببطلان محضر الضبط وسيلة قانونية جوهرية للطعن في مشروعية الإجراءات، فإذا شاب المحضر عيب جوهري يمس صحة إجراءاته أو يُفقده قيمته الإثباتية، كالبطلان الناتج عن عدم الاختصاص، أو غياب الإذن، أو انقطاع سلسلة الحيازة، فإن ذلك يترتب عليه سقوط الاتهام لانتفاء الدليل المستمد من هذا الإجراء الباطل.
الفصل السادس: المسؤولية المفترضة في الشركات وطرق نفيها
- الفرق بين المسؤولية الشخصية ومسؤولية المنشأة
يختلف الأمر في تقرير المسؤولية بين الخطأ الشخصي الذي ينسب للقائم بالعمل، وبين الأخطاء المرتبطة بنشاط المنشأة، ومثال ذلك: إذا قام موظف بتغيير تاريخ الصلاحية دون علم المالك، عُد ذلك خطأً شخصيًا، أما إذا كان التصرف نتيجة سياسة متبعة أو بسبب غياب الرقابة، فتتحمل المنشأة المسؤولية.
2- الدفع بعدم علم المالك بالتوريدات أو المخزون:
يُعد عدم العلم دفاعًا معتبرًا متى ثبت أن المالك لم يكن مطلعًا على التوريدات أو المخزون محل المخالفة، وأنه اتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع وقوعها.
3- مسؤولية الموردين والموزعين قبل صاحب المنشأة:
تثبت مسؤولية المورد أو الموزع إذا كان منشأ المخالفة راجعًا لفعله أو إهماله في توريد منتجات غير مطابقة، ولا تُساءل المنشأة إلا إذا ثبت علمها بالمخالفة أو تقصيرها في التحقق من سلامة التوريد.
4- حالات الإعفاء من المسؤولية في الأنشطة متعددة الفروع:
يوجد بعض الحالات التي قد تُعفى المنشأة من المسؤولية، نذكرها على النحو الآتي:
- استقلال الفرع إداريًا وتشغيليًا:
يُعفى المقر الرئيسي من المسؤولية إذا كان الفرع الذي وقعت فيه المخالفة يتمتع بقدر من الاستقلال في الإدارة والتشغيل، بحيث تُنسب الأفعال للعاملين في ذلك الفرع دون ارتباط فعلي بإدارة المنشأة الأم.
- وجود نظام رقابة داخلية فعال:
يتحقق الإعفاء عندما تُثبت المنشأة أنها تطبق سياسات رقابية وإجرائية كافية، وأن لديها تعليمات مكتوبة وواضحة تحظر الأفعال المخالفة.
- إثبات اتخاذ تدابير منع وقوع المخالفة:
يشمل الإعفاء الحالات التي تقدم فيها المنشأة دليلاً على قيامها بالتوعية والتدريب المستمر لمنسوبي الفروع، بما يدل على عدم توافر التقصير من جانبها.
- ثبوت أن المخالفة ناتجة عن تصرف فردي:
إذا تبين أن العامل المخالف ارتكب الفعل بصورة فردية ودون تفويض أو توجيه من الإدارة، فإن ذلك قد يمثل وجهًا من أوجه الدفوع لنفي الارتباط بين السلوك الفردي وسياسة المنشأة.
الفصل السابع: التطبيقات القضائية لصالح المتهم
نص نظام مكافحة الغش التجاري في المادة (16) بعقوبة: الغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو السجن مدة لا تزيد على سنتين، أو بهما معًا، كل من ارتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في المادة (الثانية) من هذا النظام.
بالإضافة إلى هذه العقوبات اتخذت وزارة التجارة من التشهير عقوبة حيث نشرت عدة أحكام تتضمن تشهيرًا بمؤسسات وشركات تمثل في جوهرها غشًا تجاريًا، ونذكرها على النحو الآتي:
- حيازة وعرض قطع غيار مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات والمقاييس، وتضمن الحكم رقم (401237910) الصادر من المحكمة الجزائية غرامة مالية (50,000) خمسون ألف ريال ومصادرة وإتلاف الكميات المعروضة.
- بيع أثاث مستعمل على أنه جديد، حيث تضمن الحكم رقم (411213815) الصادر من المحكمة الجزائية تغريم الشركة وإلزام المنشأة باسترجاع البضاعة المباعة وإعادة كامل القيمة للمستهلك.
- عرض وبيع مواد غذائية منتهية الصلاحية، حيث تضمن الحكم رقم (39391655) الصادر من المحكمة الجزائية الحكم على المؤسسة بغرامة مالية وإغلاق المقر المخالف، بالإضافة إلى مصادرة وإتلاف المنتجات المضبوطة.
- إنتاج وتسويق منتجات ألبان بتواريخ غير صحيحة، حيث تضمن الحكم على الشركة بغرامة مالية ونشر الحكم في صحيفتين على نفقة المنشأة.
ومن منطلق هذه الأحكام، يتضح أن صور الغش التجاري التي باشرتها وزارة التجارة والمحاكم شملت نطاقًا واسعًا من الممارسات الاحتيالية، بدءًا من حيازة وبيع السلع المغشوشة وغير المطابقة للمواصفات، ومرورًا بتضليل المستهلكين من خلال بيع المستعمل على أنه جديد، وانتهاءً بطرح مواد غذائية منتهية أو منتجات تحمل تواريخ غير صحيحة. وتكشف هذه الوقائع عن خطورتها المباشرة على سلامة المستهلك وثقته، وعلى نزاهة السوق وعدالته، مما يبرر تشدد العقوبات وتفعيل وسائل الردع، ومنها التشهير، للحد من هذه السلوكيات وحماية البيئة التجارية من أي ممارسات مخلة أو مضللة
الخاتمة
ختامًا، يُعد الغش التجاري من الظواهر الخطيرة التي تتجاوز كونها مجرد مخالفة قانونية أو تصرف تجاري خاطئ، ليصبح قضية أخلاقية واجتماعية واقتصادية في آن واحد. فهو يتعارض مع القيم والمبادئ التي حث عليها الإسلام، ويخالف القواعد التربوية والتجارية التي ترسّخ النزاهة والمصداقية في التعاملات اليومية. الأضرار الناجمة عن الغش التجاري تتعدد، فتشمل على المستوى المؤسسي فقدان الثقة بين المستهلكين والمؤسسات، وتشويه سمعة الأسواق، وغياب المنافسة العادلة، وهو ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني ويعيق نموه واستقراره. أما على المستوى الشخصي، فيترتب على الغش خسائر ملموسة للفرد، مثل تفويت الفرص، والحرمان من حقوقه المشروعة، والتعرض لضرر مادي ومعنوي، ما يخلق شعورًا بعدم الأمان وانعدام العدالة.
وبناءً على ما سبق، فإن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب جهودًا متكاملة من جميع الجهات المعنية؛ من سلطات رقابية، ومؤسسات تعليمية، لتعزيز الوعي، وتشديد الرقابة، وترسيخ القيم الأخلاقية والتجارية الصحيحة. فالتصدي للغش التجاري ليس فقط حماية للمستهلك والمؤسسات، بل هو ضمان لاستقرار الأسواق، والمحافظة على نزاهة التعاملات، وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، بما يعكس التزام المجتمع بالقيم التي دعا إليها الدين والتشريع الحديث على حد سواء.
-النتائج:
1- جرائم الغش التجاري لها صور وأشكال متعددة، ولها انتشار واسع في المجتمع.
- جريمة الغش التجاري تهدد المجتمع واقتصاد الدولة على حد سواء.
- فرض المنظم السعودي لجرائم الغش التجاري عقوبات مشددة وذلك بعقوبتي الغرامة والسجن.
-التوصيات:
1- نشر الوعي بين المواطنين عبر جميع وسائل التواصل الاجتماعي عن جريمة الغش التجاري وأضرارها وكيفية التصدي عنها.
2- زيادة عدد الجولات التفتيشية على المنشآت التجارية، وتطوير آليات الضبط بما يضمن الكشف السريع عن المخالفات قبل وصولها للمستهلك.
3-تنظيم ورش عمل دورية لتوعية التجار والموظفين بالالتزامات النظامية وكيفية تجنب الوقوع في المخالفات.
قائمة المراجع والمصادر
- نظام مكافحة الغش التجاري، الصادر بمرسوم ملكي رقم م/ 19 وتاريخ 23/4/1429هـ.
- اللائحة التنفيذية لنظام مكافحة الغش التجاري، الصادرة بقرار وزاري رقم (155) وتاريخ 6/1/1431هـ.
- عبد الله، دانيا. ” المسؤولية القانونية عن أفعال الغش التجاري في النظام السعودي”، المجلة الأكاديمية للأبحاث والنشر العلمي, 10: 1-19.
- مصطفى، ردى. اسكندر، براق.” التنظيم القانوني لحماية المستهلك الالكتروني من الغش التجاري”، مجلة الشرق الأوسط للدراسات القانونية والفقهية، 5: 221-224
- بابكر، علي.” المسؤولية المدنية المترتبة عن أضرار الغش التجاري”، مجلة التراث، 14: 6-14


أكتب تعليقا