الأخطاء الطبية: بين الأسباب وآليات الحماية القانونية
المقدمة
يعتبر حفظ النفس من الضروريات الخمس التي أولى الإسلام عنايةً خاصة بصيانتها، إلى جانب حفظ الدين، والعقل، والعرض، والمال، وانطلاقًا من هذا المبدأ، جاءت التشريعات والأنظمة الحديثة لتولي اهتمامًا بحماية الإنسان من أي اعتداء أو تقصير قد يعرض حياته أو سلامته للخطر، وفي مقدمتها الأخطاء الطبية، التي تعد من أكثر القضايا حساسيةً لارتباطها المباشر بروح الإنسان وصحته، بناءً على ما سبق، يعرف الخطأ الطبي بأنه: كل فعل أو تقصير يصدر عن أحد أفراد الطاقم الطبي ويترتب عليه إلحاق ضرر بالمريض، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومتى ما توافرت الرابطة السببية بين الخطأ والضرر، نشأت مسؤولية الممارس الصحي المترتبة على تعويض المريض عما لحقه من ضرر، سواء كان ذلك ناشئًا عن خطأ مهني، أو عن إهمال وتقصير، ولا يقتصر الأمر على التعويض المالي فحسب، بل يتعداه إلى مساءلة الممارس الصحي تأديبيًا وجنائيًا بحسب جسامة الفعل والنتائج المترتبة عليه.
وقد عرف نظام مزاولة المهن الصحية الممارس الصحي في مادته (1) بأنه: “كل من يرخص له بمزاولة المهن الصحية التي تشمل الفئات الآتية: الأطباء البشريين، وأطباء الأسنان، والصيادلة الأخصائيين، والفنيين الصحيين في (الأشعة، والتمريض، والتخدير، والمختبر، والصيدلية، والبصريات، والوبائيات، والأطراف الصناعية، والعلاج الطبيعي، ورعاية الأسنان وتركيبها، والتصوير الطبقي، والعلاج النووي، وأجهزة الليزر، والعمليات)، والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين وأخصائيي التغذية والصحة العامة، والقبالة، والإسعاف، ومعالجة النطق والسمع، والتأهيل الحرفي، والعلاج الحرفي، والفيزياء الطبية، وغير ذلك من المهن الصحية الأخرى التي يتم الاتفاق عليها بين وزيري الصحة والخدمة المدنية والهيئة السعودية للتخصصات الصحية”، وتبرز الإشكالية القانونية هنا في كيفية ضبط مسؤولية الخطأ الطبي وتحديد عناصرها، كما تتضح أهمية البحث في بيان الأسباب المؤدية إلى الأخطاء الطبية، وآليات الحماية التي أقرها النظام السعودي للحد منها، وفي هذا السياق، جاء نظام مزاولة المهن الصحية السعودي ليضع إطارًا قانونيًا شاملاً يهدف إلى:
- تنظيم الممارسة الطبية وضبطها بضوابط مهنية وأخلاقية.
- تحديد مسؤوليات الممارسين الصحيين بما يكفل حماية حقوق المرضى وضمان سلامتهم.
- الفئة المستهدفة:
- الممارسون الصحيون.
- المرضى وذووهم.
- القانونيون والباحثون.
- منهج البحث:
نعتمد في هذا المقال على المنهج التحليلي الوصفي، وذلك من خلال دراسة النصوص النظامية المتعلقة بمزاولة المهن الصحية وتحليلها، وصولاً إلى استخلاص النتائج والتوصيات التي تعزز من فاعلية النظام في حماية النفس الإنسانية.
المحور الأول: الأخطاء الطبية وأنواعها
- الخطأ الطبي كظاهرة صحية وقانونية
لا يخلو أي مرفق صحي من الأخطاء أو التجاوزات التي قد يرتكبها الأطباء، سواء من ذوي الخبرة أو من الطلاب في فترة التدريب والامتياز، والذين يقع على عاتقهم التزام، تفرضه الطبيعة الإنسانية، يتمثل في الإتقان وتحري الأمانة في عملهم، ويأتي هذا الالتزام من طبيعة مهنتهم التي ترتكز على حماية روح الإنسان، ومن ناحية أخرى، الالتزام القانوني الذي تفرضه اللوائح والأنظمة في المملكة.
وقد نصت المادة (5) من نظام مزاولة المهن الصحية على: “يزاول الممارس الصحي مهنته لمصلحة الفرد والمجتمع في نطاق احترام حق الإنسان في الحياة وسلامته وكرامته، مراعيًا في عمله العادات والتقاليد السائدة في المملكة مبتعدًا عن الاستغلال”، وبالتالي، يعد الخطأ الطبي ظاهرة صحية وقانونية في آن واحد، تتداخل فيها العوامل المهنية والتنظيمية، ويترتب عليها مسؤوليات قانونية تهدف إلى حماية المرضى وضمان جودة الرعاية الصحية.
- أنواع الأخطاء: مهنية وغير المهنية.
لا تحدث الأخطاء الطبية على نهج واحد، بل تتنوع وذلك باتصاف الخطأ إما إن يكون خطأً مهنيًا أو خطأً غير مهني، ويأتي بيان ذلك على النحو الآتي:
- أولاً: الأخطاء المهنية
يُعنى بالأخطاء الطبية المهنية تلك التي تعتبر من جنس العمل (مهني)، أي هي تلك التي تقع من الطبيب لانحرافه عن الأصول ولقواعد التي تحكم مهنة الطب وتنظمها، وعليه يقع على الطبيب التزامات، نذكرها على النحو الآتي:
- اتباع الأصول العلمية المتعارف عليها طبيًا، استنادًا على المادة (7) من نظام مزاولة المهن الصحية، التي تضع على عاتق الممارس الصحي التزامًا مضمونه الآتي:
- يجب على الممارس الصحي أن يعمل على تنمية معلوماته، وأن يتابع التطورات العلمية والاكتشافات الحديثة في مجال تخصصه، وعلى إدارات المنشآت الصحية تسهيل حضوره للندوات والدورات وفقًا للضوابط التي تحددها الهيئة.
- يجب على الممارس الصحي ألا يمارس طرق التشخيص والعلاج غير المعترف بها علميًا، أو المحظورة في المملكة.
- الدقة في التشخيص، حيث نصت المادة (15) على: “يجب على الممارس الصحي أن يجري التشخيص بالعناية اللازمة مستعينًا بالوسائل الفنية الملائمة، وبمن تستدعي ظروف الحالة الاستعانة بهم من الأخصائيين أو المساعدين، وأن يقدم للمريض ما يطلبه عن حالته الصحية، ونتائج الفحوصات مراعيًا في ذلك الدقة والموضوعية.”
وهكذا الأخطاء الطبية ذات الطبيعة المهنية بمفهوم المخالفة عن هذه الالتزامات، هي الخطأ في الفعل الطبي أو القصور في التشخيص، يترتب على وقوعها قيام مسؤولية الطبيب المعني ومحاسبته قانونيًا.
- ثانيًا: الأخطاء غير المهنية
تأتي الأخطاء الطبية غير المهنية بمعنى آخر عن تلك ذات الطبيعة المهنية، حيث إنها تعتبر ليست من جنس العمل (غير مهنية)، وتتلخص في عدة أمور نذكرها على النحو الآتي:
- ممارسة العمل بدون ترخيص:
حيث يقع على الممارس الصحي أن يمارس مهنته وفق ما يمليه عليه القانون من قواعد، أي بموجب ترخيص يخوله نظامًا ممارسة هذه المهنة، حيث نصت المادة (1) من نظام مزاولة المهن الصحية على شروط الحصول على الترخيص بقولها:
أ – يحظر ممارسة أي مهنة صحية، إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الوزارة.
ب – يشترط للترخيص بمزاولة المهن الصحية ما يأتي:
– الحصول على المؤهل المطلوب للمهنة من أي كلية طبية أو كلية صيدلة أو كلية علوم طبية تطبيقية، أو كلية صحية، أو معهد صحي، أو مؤهلات أخرى مطلوبة لمزاولة مهن صحية تعترف بها الهيئة، أو الحصول على شهادة من الخارج تعترف بها الهيئة.
– أن يكون قد أمضى مدة التدريب الإجبارية المقررة للمهنة، وأن تتوافر لديه اللياقة الصحية.
– التسجيل لدى الهيئة وفقًا لمتطلبات التسجيل التي تحددها.
– ألا يكون قد سبق الحكم عليه في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة إلا إذا رد إليه اعتباره.
– يعد التعيين في الجهات الحكومية في وظائف المهن الصحية بمثابة الترخيص بمزاولة المهنة في هذه الجهات، على أن يسبق ذلك التسجيل لدى الهيئة.
2- امتناع الطبيب عن معالجة المريض:
أي أن يمتنع الطبيب عن معالجة المريض دون أسباب تذكر ومعقولة، حيث نصت المادة (8) على:” يجب على الممارس الصحي الذي يشهد أو يعلم أن مريضًا أو جريحًا في حالة خطرة أن يقدم له المساعدة الممكنة، أو أن يتأكد من أنه يتلقى العناية الضرورية”، وبما أن النظام ينص على وجوب تقديم الرعاية الطبية الفورية للمرضى في الحالات الحرجة، فإنه من منطق الالتزام نفسه أن يحظى المرضى في الحالات غير الحرجة بالمعالجة اللازمة أيضًا، وألا يمتنع الممارس الصحي عن تقديم الرعاية لهم.
وكذلك نصت المادة (9) على:”
أ – يجب أن يستهدف العمل الطبي دائمًا مصلحة المريض، وعلى الممارس الصحي أن يبذل جهده لكل مريض.
ب – لا يجوز للممارس الصحي- في غير حالة الضرورة- القيام بعمل يجاوز اختصاصه أو إمكانياته.
الأمر الذي يفهم منه حرص المنظم السعودي على حماية المرضى وحقوقهم.
إلا إنه يجوز استثناءً الاعتذار عن معالجة المريض وذلك عند وجود سبب مهني أو معقول يقدمه الطبيب في غير الحالات الخطرة أو العاجلة، حيث نصت المادة (16) من النظام على:” للممارس الصحي – في غير الحالات الخطرة أو العاجلة- أن يعتذر عن علاج مريض لأسباب مهنية، أو شخصية مقبولة”. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
- سبب مهني: ما إذا كان المريض تحتاج حالته إلى أدوات غير متوفرة في المستشفى الذي يعمل فيه الممارس الصحي.
- سبب شخصي: ما إذا أساء المريض للممارس الصحي لفظيًا، او ما إذا كان الممارس الصحي يعاني ظرفًا صحيًا أو نفسيًا يمنعه من تقديم العلاج كما يجب.
- الحصول على موافقة المريض في العلاج:
يجب على الممارس الصحي توضيح الخطة العلاجية المناسبة للمريض وحصوله على موافقته عليها، حيث نصت المادة (19) من نظام مزاولة المهن الصحية على:”
يجب ألا يجري أي عمل طبي لمريض إلا برضاه، أو موافقة من يمثله، أو ولي أمره إذا لم يعتد بإرادته هو، واستثناء من ذلك يجب على الممارس الصحي- في حالات الحوادث أو الطوارئ أو الحالات المرضية الحرجة التي تستدعي تدخلًا طبيًّا بصفه فورية أو ضرورية لإنقاذ حياة المصاب أو إنقاذ عضو من أعضائه، أو تلافي ضرر بالغ ينتج من تأخير التدخل وتعذر الحصول على موافقة المريض أو من يمثله أو ولي أمره في الوقت المناسب- إجراء العمل الطبي دون انتظار الحصول على تلك الموافقة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال إنهاء حياة مريض ميؤوس من شفائه طبيًّا، ولو كان بناءً على طلبه أو طلب ذويه”.
- اسباب الأخطاء الطبية ذات الطبيعة الإدارية والبشرية
تتعدد اسباب الأخطاء الطبية ذات الطبيعة الإدارية والبشرية، ويمكن ذكرها على النحو الآتي:
- ضغوط العمل: يكثر حدوث الأخطاء الطبية عند ضعف التركيز وفقدانه من قبل الممارس الصحي الذي يمر بضغط عملي عالي جراء نقص الكوادر في مكان عمله أو طول ساعات المناوبة، مما يسبب ذلك إرهاقًا نفسيًا وذهنيًا يؤدي إلى النسيان، مما يزيد من نسبة وقوع الأخطاء الطبية.
- قصور التدريب: تؤدي قلة كفاءة تدريب الممارس الصحي إلى كثرة وقوع الأخطاء الطبية، وذاك لضعف خبرته في الممارسات الصحية أو العمليات، إذ تلعب الخبرة دورًا كبيرًا في عدم دقة تشخيص المرضى أو ضعف الخطة العلاجية وقصورها.
- ضعف التواصل بين الفريق الطبي: ويعتبر السبب الأكثر شيوعًا للأخطاء الطبية، لا سيما لو كانت الحالة المرضية للمريض حرجة أو نادرة، إذ تستدعي آن ذاك تبادل المعلومات مع الفريق الطبي ومناقشة الحالة المرضية بشكل فعال.
- أخطاء تقنية أو تنظيمية: يحدث أن ترد الأخطاء الطبية بسبب خطأ تقني أو خطأً تنظيميًا، ويكون الأول عندما توجد الأعطال في الأجهزة الطبية مما يعرض إجراءات التشخيص أو العلاج، وتظهر الثانية عندما يكون في المرفق الصحي سوء لتوزيع المهام بين أطباؤها، أو ضعف التنسيق بين الطواقم الطبية لديها، أو عدم ملاءمة العمليات والإجراءات.
المحور الثاني: الأساس النظامي
- القوانين والأنظمة: الأنظمة الصحية المحلية والدولية التي تنظم مكافحة الأخطاء الطبية.
تسعى الأنظمة المحلية والدولية إلى سن الأنظمة التي بدورها تساعد في الحد من الأخطاء الطبية، ونذكر ذلك على النحو الآتي:
- أنظمة وزارة الصحة: كالأدلة واللوائح التي تصدرها لضمان سلامة المرضى وتقليل الأخطاء الطبية داخل المنشآت الصحية، ومن ذلك لوائح مكافحة العدوى التي تنص على معايير مكافحة العدوى في المنشآت الصحية، أو دليل الإجراءات الوقائية للأمراض المعدية أو التي تصدر في موسم الحج، التي توفر معلومات شاملة حول كيفية التعامل مع العدوى في مختلف البيئات الصحية، بما في ذلك المستشفيات، والعيادات، ومراكز الرعاية الصحية.
- نظام مزاولة المهن الصحية السعودي: ينظم نظام مزاولة المهن الصحية في المملكة العربية السعودية مهنة الطب، إذ أنه ينص على الواجبات العامة للممارس الصحي أو واجباته نحو المرضى، أو واجباته تجاه زملائه الآخرين من الممارسين الصحيين، وصولًا إلى ترتيب أحكام المسؤولية المهنية والتحقيق والمحاكمة.
- ومن الأنظمة واللوائح العالمية هي ما تصدره منظمة الصحة العالمية (WHO): التي تسعى من خلالها إلى الحد من الأخطاء الطبية وتعزيز سلامة المرضى من خلال مجموعة من البرامج والإرشادات، ومن ذلك برنامج (سلامة المرضى) الذي بدوره يركز على تقليل الأخطاء الطبية، وذلك بالنص على مصادر الأذى التي قد يتعرض لها المرضى، وأسباب الأخطاء الطبية المختلفة.
- حقوق المرضى: المنصوص عليها لضمان سلامة المرضى ومساءلة المخطئ.
يُعنى بحقوق المرضى هي تلك المبادئ الأساسية التي تضمن حماية الفرد أثناء تلقيه الرعاية الصحية، ونذكرها على النحو الآتي:
- معرفة أسماء وتخصصات الفريق الطبي وما إذا كانوا مرخصين أم متدربين.
- شرح الحالة الطبية باللغة والطريقة التي تعد مناسبة للفرد مع الحصول على الوقت الكافي من الفريق الطبي.
- حق الفرد في معرفة الآثار الجانبية لأي دواء يصرف له، مع معرفة الإجراءات أو التدابير العلاجية المقترحة لحالة الفرد.
- المحافظة على أسرار وخصوصية المريض، بما في ذلك ألا يتم مشاركة أي معلومات عنه أو عن حالته إلا بموافقته، في جميع الأحوال.
- توفير مترجمين، في حالة كان المريض من غير المتحدثين باللغة العربية.
- لا يجوز إجبار المريض على تلقي علاج معين، على أن يوضح الممارس الصحي للمريض ما قد يسبب الرفض من تدهور بالحالة الصحية.
- ويوجد بعض الحقوق التي تعتبر من الحقوق الخاصة، مثل حق معرفة الغذاء المناسب، وما يجب الإقلال منه، أو الإقلاع عنه في قسم الجهاز الهضمي، وفي قسم الكلى والغسيل الكلوي للمريض أن يطلب التأكد من تعقيم الجهاز وفعاليته، توفير اخصائي نفسي، بالإضافة إلى الحصول على نظام غذائي مناسب لحالتك الصحية، وفي قسم الطوارئ للفرد الحماية من أي اعتداء أو إهانة جسدية أو لفظية، أن يتلقى العلاج بالطرق العلاجية المتعارف عليها.
- المعايير الدولية: الإرشادات العالمية للتعامل مع الأخطاء الطبية وتجنبها.
تسعى جميع الدول في المساهمة في الحد من الأخطاء الطبية من خلال سن الأنظمة واللوائح، وغيرها من اللوائح والأدلة التي تصدرها وزارتها الصحية، ونرى ذلك أيضًا دوليًا، وذلك على النحو الآتي ذكره:
- منظمة الصحة العالمية:
تعمل منظمة الصحة العالمية على إصدار العديد من الأدلة والبرامج التي تتضمن معايير وإرشادات للتعامل مع الأخطاء الطبية وتجنبها، ومن أبرز هذه المبادرات برنامج “سلامة المرضى”، الذي أطلقته بهدف الحد من الأخطاء الطبية وتحسين جودة الرعاية الصحية. ويرتكز البرنامج على مبدأ أساسي وذو أهمية كبيرة، وهو “عدم الإضرار في المقام الأول”، والذي يجب أن يكون أحد المبادئ الرئيسية في أي منشأة صحية. ويشير هذا المبدأ إلى أن الإجراءات الوقائية الأولية تأتي في المقام الأول، ونذكرها على النحو الآتي:
- التحقق من هوية المريض والتشخيص الصحيح.
- استخدام قوائم التحقق قبل العمليات والإجراءات الطبية.
- التأكد من سلامة الأدوية وجرعاتها.
- الالتزام بالتعقيم ومكافحة العدوى.
- توثيق الإجراءات الطبية والتواصل الفعال بين أعضاء الفريق الطبي.
ويأتي هذا المبدأ بقصد تفادي وقوع الأخطاء الطبية، مما يعزز حماية المرضى ويقلل من المخاطر المرتبطة بالرعاية الصحية.
- اللجنة المشتركة الدولية (JCI):
تعتبر اللجنة المشتركة الدولية (Joint Commission International – JCI) من أبرز الجهات العالمية التي تعنى بتحسين جودة الرعاية الصحية وسلامة المرضى، حيث يقوم عمل اللجنة على وضع معايير اعتماد للمستشفيات والمنشآت الصحية تركز على سلامة المرضى، جودة الخدمات الطبية، والتي تشمل التعرف الصحيح على المريض، تحسين فعالية التواصل، ضمان الاستخدام الآمن للأدوية عالية الخطورة، وتطبيق الإجراءات الوقائية لتجنب العدوى والأخطاء الجراحية.
علاوةً على ذلك، يعد الحصول على اعتماد JCI معيارًا عالميًا يعكس التزام المنشآت الصحية بأعلى مستويات الجودة والسلامة الطبية، وهذا الاعتماد له فوائد عديدة تعود بالنفع إلى المنشأة الصحية، نذكرها على النحو الاتي:
-صقل كفاءة الممارسين الصحيين، وذلك من خلال تطويرهم وتنمية مهاراتهم المتعلقة بالممارسات الصحية.
– تمكين المنشآت الصحية الحاصلة على الاعتماد في التواصل وتبادل المعارف ومناقشتها مع المنشآت الطبية في جميع أنحاء العالم.
-تعزيز سمعة المنشأة الصحية والعلو بها.
المحور الثالث: آليات النفاذ وحماية الحقوق
- دور الجهات الرقابية: متابعة الأداء الطبي ومراجعة الأخطاء المحتملة.
تعتبر وزارة الصحة هي الجهة الرقابية على المرافق الصحية كافة في المملكة العربية السعودية، وذلك من خلال تفعيل دور الإدارات واللجان المختلفة فيها، ويأتي ذلك من منطلق رفع الكفاءة في المنشآت الصحية بغية التأكد من أن أعمالها تسير في الاتجاه الصحيح والفاعلية المطلوبة، حيث نجد في المنشآت الصحية لجان رقابية متخصصة مثل: لجان الوفيات، لجان متابعة كفاءة استخدام الموارد، لجان مكافحة العدوى، والمجالس الطبية وغيرها.
وللرقابة أهداف، تتمثل في النقاط الآتية:
- حماية المصلحة العامة، وذلك يكون بمراقبة الخطط وسير العمل فيها وفق خططه أم لا، وتوجيه الجهة الإدارية إلى التدخل السريع واتخاذ ما يلزم من قرارات لتصحيح الأخطاء.
- التحقق من أن العمل يسير على نحو مشروع، وذلك باتباع الأنظمة واللوائح السارية.
- البحث عن الأخطاء ثم اتخاذ الإجراءات الضرورية حيالها.
ومن زاوية أخرى، تعمل وزارة الصحة على إصدار الأدلة الاسترشادية واللوائح التنظيمية التي تعزز الرقابة الأولية على المنشآت الصحية، ومنها دليل مكافحة العدوى الذي وضع إطارًا واضحًا يشمل التدابير الإدارية، كتخصيص قسم لمكافحة العدوى مع سياساته وإجراءاته، وتوفير برامج التعليم والتدريب المستمر للممارسين الصحيين. ويعد هذا الدليل مثالًا عمليًا على دور الوزارة في تعزيز الوقاية وتقليل الأخطاء الطبية المحتملة.
- إجراءات الشكاوى ومدة التقادم في القضايا الطبية
تبدأ إجراءات تقديم الشكاوى على المنشآت الصحية بتقديم الطلب حتى صدور الحكم فيها، ونرتبها على النحو الآتي:
- أن يتقدم الفرد بشكوى إلى المرفق الصحي الذي وقع فيه الخطأ الطبي أو الشؤون الصحية، ذات العلاقة التابع لها المنشأة التي فيها وقعت المخالفة أو الخطأ الطبي.
- تنظر لجنة من الخبراء المختصين في الشكوى لإبداء الرأي الطبي.
- تعرض اللجنة التسوية الودية على الأطراف المتخاصمة.
- عند تعذر التسوية تحال الشكوى إلكترونيًا للقضاء وتنظر عن بعد.
- صدور الحكم.
وبذلك يتضح أن إجراءات الشكاوى تمر بمراحل منظمة تضمن حفظ حقوق المرضى، وتحقيق العدالة بين الأطراف، والحد من تكرار الأخطاء الطبية، وقد أنشأت وزارة الصحة مركز (937) حيث يعمل على استقبال متطلبات المرضى، وبلاغاتهم بأسرع وقت وجودة.
ومن ناحية مدة التقادم، لقد نصت المادة (37) من نظام مزاولة المهن الصحية على:” لا تسمع الدعوى في الحق العام بعد مضي سنة من تاريخ العلم بالخطأ المهني الصحي، وتحدد اللائحة التنفيذية ضوابط العلم بالخطأ المهني الصحي.”
- الحماية القانونية: التغطية القانونية للمتضررين لضمان تعويضهم عند وقوع خطأ.
لا يكفي ثبوت الخطأ الطبي بحد ذاته، بل لا بد من قيام العلاقة السببية بين الخطأ المرتكب والضرر الواقع على المريض، إذ عند تحقق هذه العلاقة يثبت حق المتضرر في التعويض، ويقصد بالضرر كل أذى يصيب الإنسان في جسده أو ماله أو عرضه، ويعد الضرر الطبي حالة ناشئة عن فعل طبي أخلّ بسلامة المريض نتيجة خطأ أو إهمال الممارس المهني في بذل الحيطة والحذر عند أداء عمله، ويؤكد ذلك ما نصت عليه المادة (26) من نظام مزاولة المهن الصحية بأن التزام الممارس الصحي هو التزام ببذل عناية يقظة تتفق مع الأصول العلمية المتعارف عليها، لا بتحقيق نتيجة معينة.
وبهذا نذكر أنواع مسؤولية الممارس الصحي التي تقوم عند توافر شروطها، في حالة وقوع الأخطاء الطبية، وذلك على النحو الآتي:
- المسؤولية المدنية:
لا تقوم المسؤولية المدنية إلا عند توافر شروط المسؤولية المدنية الثلاثة: الخطأ، والضرر، والعلاقة السببية بينهما، فالخطأ المهني هو كل سلوك صادر عن الممارس الصحي يخالف القواعد المهنية أو المعيارية المتعارف عليها، ويؤدي إلى الإخلال بالتزامه تجاه المريض، أما الضرر فيعنى به كل أثر سلبي يلحق المريض نتيجة الفعل الطبي، سواء تعلق بالمال أو الجسد أو الصحة النفسية.
ويعد عنصر العلاقة السببية ضرورياً لربط الخطأ بالضرر الواقع، إذ لا يتحقق التعويض إلا إذا كان الضرر نتيجة مباشرة للخطأ المهني، ولا يكفي وقوع الخطأ أو الضرر بشكل منفصل، حيث نصت المادة (27) من نظام مزاولة المهن الصحية على هذا المبدأ بوضوح، إذ تنص على أنه: “كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وترتب عليه
ضرر للمريض يلتزم من ارتكبه بالتعويض”، وبذلك يتضح أن العبرة في تحديد المسؤولية المدنية للممارس الصحي، تكمن في توافر جميع شروطها، ومن ثم تحديد مقدارًا للتعويض عن الضرر.
- المسؤولية الجزائية:
بتحليل نصوص نظام مزاولة المهن الصحية، يتضح أن المسؤولية الجزائية تقوم على الإخلال بواجب أو التزام قانوني أو مهني، سواء بالفعل أو بالامتناع عنه، متى كان هذا السلوك مخالفًا للقواعد الطبية المنصوص عليها نظامًا، وذلك شريطة توافر القصد الجنائي لدى الممارس الصحي، والمتمثل في علمه بما قد يترتب على فعله من أضرار للمريض، واتجاه إرادته الحرة إلى ارتكابه رغم ذلك.
بالتالي المسؤولية الجزائية للمارس الصحي هي تلك التي الجزاءات التي تقع على الطبيب المنصوص عليها نظامًا، نتيجة خطأً سبب ضررًا على المريض.
وعليه، نص ذات النظام في المادة (28) على السلوكيات يترتب عليها مساءلة القواعد الجزائية، ونذكرها على النحو الآتي:
- مزاولة المهن الصحية دون ترخيص.
- الحصول على الترخيص بطريقة غير مشروعة.
- أن يدعي بأي وسيلة من وسائل الدعاية، يكون من شأنها حمل الجمهور على الاعتقاد بأحقيته في مزاولة المهن الصحية خلافًا للحقيقة.
- انتحال لقب من الألقاب الدارجة على الممارسين الصحيين.
- حيازة أدوات أو آلات مما يستعمل عادة في مزاولة المهن الصحية، دون ترخيص نظامي أو سبب مشروع.
- الاتجار بالأعضاء البشرية، او القيام بعملية زراعة عضو بشري مع علمه بأنه تم الحصول عليه عن طريق المتاجرة.
- الامتناع عن علاج مريض دون سبب معقول.
- ممارسة طرق التشخيص والعلاج غير المعترف بها عمليًّا، أو المحظورة في المملكة، استنادًا على المادة (7).
- مخالفة أحكام المادة (9) التي تنص على أن يستهدف العمل الطبي دائمًا مصلحة المريض، وعلى الممارس الصحي أن يبذل جهده لكل مريض، وان يكون القيام بالعمل في حدود اختصاصاته وإمكانياته.
- عدم إبلاغ الجهات الأمنية والصحية المختصة عن أي مريض مشتبه في إصابته جنائيًا، أو إصابته بمرض معد، ويصدر الوزير قرارًا بتحديد الأمراض التي يجب التبليغ عنها، والجهة التي تبلغ إليها، والإجراءات الواجب اتباعها في هذا الشأن.
وكذلك نصت المادة (14) من ذات النظام على:
– استخدام غير المرخص لهم من ذوي المهن الصحية، أو تقديم مساعدة لأي شخص يمارس مهنة صحية بصورة غير مشروعة.
– استخدام أجهزة كشف أو علاج محظورة في المملكة.
- إجراء عمل طبي دون الحصول على موافقة المريض أو ذويه، استنادًا لنص المادة (19) من ذات النظام.
- إعطاء تقرير كشف طبي عن سبب الوفاة دون التأكد من سبب الوفاة فعلاً، أو تقديمه مع وجود اشتباه أن الوفاة ناجمة عن حادث جنائي، وعليه إبلاغ الجهات المختصة فورًا، استنادًا لنص المادة (20) من ذات النظام.
- الإجهاض غير المشروع (ما إذا كان سببه غير إنقاذ حياة الأم)، استنادًا لنص المادة (22) من ذات النظام.
- إجراء العمليات الجراحية التجريبية وغير المسبوقة على الإنسان بالمخالفة للقواعد المنظمة لذلك، استنادًا لنص المادة (27) من ذات النظام.
المحور الرابع: أسباب الأخطاء الطبية
نتطرق في هذا المحور لأسباب الأخطاء الطبية بشكل عام، ويأتي ذلك إضافةً إلى ما ذكرناه بالنصوص النظامية أعلاه، وذلك على النحو الآتي:
- التشخيص الخاطئ أو المتأخر: يعد من أكثر الأسباب انتشارًا في المنشآت الصحية، سواء كان نتيجة تشخيص خاطئ أو تأخر في التشخيص، وكلاهما يعكس في الغالب قصورًا في مهارة الممارس الصحي أو تقصيرًا في بذل العناية الطبية اللازمة، حيث يجب عليه اللجوء إلى القيام بكافة الفحوصات العلمية والعملية بالشكل المطلوب.
- أخطاء الجرعات أو وصف الأدوية: وتشمل صرف جرعات دوائية غير دقيقة أو وصف أدوية غير مناسبة لحالة المريض.
- الأخطاء الجراحية أو أثناء الإجراءات الطبية: كإجراء عملية في موضع خاطئ، أو حدوث مضاعفات كان بالإمكان تفاديها باتباع الأصول الطبية السليمة.
- عدم مراعاة اللوائح والأنظمة: وذلك من خلال مخالفة التعليمات التنظيمية أو الإجرائية التي تحكم الممارسة الصحية، ويظهر ذلك بوجه خاص في مسألة الترخيص بمزاولة المهنة؛ إذ إن الترخيص هو الذي يخول صاحبه ممارسة الأعمال الطبية، وبدونه يعد الشخص غير مطابق للشروط والضوابط المنصوص عليها في نظام مزاولة المهن الصحية.
المحور الخامس: المسؤولية والعقوبات
- التعويض عن الضرر للمرضى.
لما كان الخطأ الطبي هو خروج الممارس الصحي في سلوكه عن الأصول العلمية والفنية المستقرة في مهنة الطب، بما يقتضي مساءلته حال تحقق الضرر للمريض وثبوت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر. ويترتب على ذلك إلزام المخطئ بتعويض عادل يوازي ما لحق المضرور من أضرار.
وللمحكمة سلطة تقديرية في تحديد مقدار التعويض استنادًا إلى:
- ملابسات الواقعة وما أحاط بها من ظروف.
- طبيعة الخطأ وجسامته ومدى جسامة الانحراف عن الأصول الطبية.
- حجم الضرر الواقع على المريض سواء كان ضررًا بدنيًا أو ماديًا أو معنويًا.
- وجوب أن يكون التعويض جابرًا لكامل الضرر بحيث يشمل:
- الخسائر المادية الحالية.
- الخسائر المستقبلية التي يتوقع أن يتحملها المضرور في سبيل علاجه.
- عقوبات على الإهمال الجسيم أو التسبب بالوفاة.
يترتب على قيام مسؤولية الطبيب جزائيًا، تحديد عدد من العقوبات، وهي عقوبة السجن والغرامة، أو بإحداهما، وذلك حسب نص المادة (28) من نظام مزاولة المهن الصحية، حيث نصت على:” مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أنظمة أخرى، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد عن مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من:
1 – زاول المهن الصحية دون ترخيص.
2 – قدم بيانات غير مطابقة للحقيقة، أو استعمل طرقًا غير مشروعة كان من نتيجتها منحه ترخيصًا بمزاولة المهن الصحية.
3 – استعمال وسيلة من وسائل الدعاية يكون من شأنها حمل الجمهور على الاعتقاد بأحقيته في مزاولة المهن الصحية خلافًا للحقيقة.
4 – انتحل لنفسه لقبًا من الألقاب التي تطلق عادة على مزاولي المهن الصحية.
5 – وجدت لديه آلات أو معدات مما يستعمل عادة في مزاولة المهن الصحية، دون أن يكون مرخصًا له بمزاولة تلك المهن أو دون أن يتوفر لديه سبب مشروع لحيازتها.
6 – امتنع عن علاج مريض دون سبب مقبول.
7 – خالف أحكام المواد (السابعة) فقرة (ب)، و(التاسعة)، و(الحادية عشرة)، و(الرابعة عشرة) الفقرتين (أ ، و)، و(التاسعة عشرة)، و(العشرين)، و(الثانية والعشرين)، و(الثالثة والعشرين)، و(الرابعة والعشرين)، و(السابعة والعشرين) فقرة (3) من هذا النظام.
8 – تاجر بالأعضاء البشرية، أو قام بعملية زراعة عضو بشري مع علمه أنه تم الحصول عليه عن طريق المتاجرة.
وكذلك نصت (29) على عقوبة الغرامة وحدها تقدر (50000) خمسون ألف ريال في الحالات الآتية:
- ما إذا أعلن الطبيب عن نفسه والدعاية لشخصه مباشرة أو بالوساطة، أو أن يكتب على اللوحات والبطاقات ألقابًا علمية أو تخصصات لم يحصل عليها.
- أن يجمع الممارس المهني بين أكثر من مهنة صحية، أو مع مهنة أخرى تتعارض مع المهن الصحية، أو أن يوجه المرضى إلى مستشفى أو صيدلية بعينها.
- أن يطلب عمولة أو مكافأة أو يقبلها أو يأخذها، أو الحصول على أي منفعة لقاء الترويج.
- العقوبات التأديبية للطواقم الطبية المخطئة.
بجانب المسؤولية المدنية والجزائية يكون الطبيب محلاً للمساءلة التأديبية التي تهدف إلى المحافظة على أصول المهنة وآدابها، وهذا ما نصت عليه المادة (31) من نظام مزاولة المهن الصحية بقولها:” مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية أو المدنية، يكون الممارس الصحي محلًّا للمساءلة التأديبية إذا أخل بأحد واجباته المنصوص عليها في هذا النظام، أو خالف أصول مهنته، أو كان في تصرفه ما يعد خروجًا على مقتضيات مهنته أو آدابها”.
ومن الأمثلة على ذلك:
- الإخلال بالواجبات المهنية والأخلاقية مثل إفشاء سر المريض أو عدم احترام آداب المهنة.
- الإهمال أو التقصير في أداء الواجبات، حتى لو لم ينتج عنه ضرر للمريض.
- ارتكاب أفعال تمس كرامة المهنة أو سمعتها داخل المنشأة الصحية أو خارجها.
ونصت المادة (32) من ذات النظام، على العقوبات التأديبية بقولها:” العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها في حالة المخالفات المهنية هي:
1 – الإنذار.
2 – غرامة مالية لا تتجاوز عشرة آلاف ريال.
3 – إلغاء الترخيص بمزاولة المهنة الصحية وشطب الاسم من سجل المرخص لهم.
وفي حالة إلغاء الترخيص لا يجوز التقدم بطلب ترخيص جديد إلا بعد انقضاء سنتين على الأقل من تاريخ صدور قرار الإلغاء.
المحور السادس: التحديات المعاصرة
- نقص الكوادر المؤهلة ومشاكل التدريب المستمر.
إن النقص في الكوادر الطبية المؤهلة ينعكس سلبًا على جودة الخدمات في المرافق الصحية كافة، ويزداد الأمر سوءًا عند غياب برامج التدريب المستمر؛ إذ يتوقف الممارسون الصحيون عند مستوى معرفي محدد دون القدرة على مواكبة العلوم والتقنيات الطبية الحديثة، ويترتب على ذلك اتساع الفجوة بين الممارسة الفعلية والمعايير الطبية العالمية، مما يقلل من جودة الرعاية الصحية المقدمة، ويضاعف من احتمالية وقوع الأخطاء الطبية، فضلًا عن حرمان الممارس من الاطلاع على أحدث الأساليب في التشخيص والعلاج.
- ضغوط العمل وارتفاع أعداد المرضى مقابل الإمكانيات.
إن الإجهاد العقلي الذي يتعرض له الممارس الصحي ينعكس بصورة مباشرة على جودة العمل، بحيث تكون أقل من المستوى المأمول في حال غياب الوسائل العملية التي تمكّنه من تقديم أفضل إمكانياته، الأمر الذي يقضي بأن توفير سياسات تنظيمية وإدارية داخل المرافق الصحية يعد ضرورة، لما له من دور في تقليل ضغوط العمل وتحسين بيئة الأداء. كما أن تزايد أعداد المراجعين في مقابل محدودية الإمكانيات البشرية والمادية يؤدي إلى تسارع وتيرة العمل على حساب جودة الخدمة، الأمر الذي قد يدفع الممارس الصحي إلى اتخاذ قرارات مستعجلة تفتقر إلى الدقة، مما يضاعف من احتمالية وقوع الأخطاء الطبية، ومن ثم قيام مسؤوليته النظامية والتأديبية.
- أهمية توعية المرضى بحقوقهم والتعاون مع الجهات الصحية
تنشر وزارة الصحة دليلًا إرشاديًا بعنوان (يحق لك) يوضح حقوق المرضى بشكل عام، وصولًا إلى حقوقهم في جميع الأقسام العلاجية داخل المرافق الصحية. ويُلاحظ أن غياب الثقافة الصحية لدى بعض المرضى يجعلهم أقل قدرة على المشاركة في اتخاذ القرار الطبي السليم، ويضعف من قدرتهم على حماية حقوقهم، ومن هنا تبرز أهمية نشر الوعي القانوني بحقوق المرضى وواجبات الممارس الصحي، إذ يسهم ذلك في تعزيز الشفافية والثقة بين الطرفين، ويقلل من النزاعات التي قد تنشأ نتيجة سوء الفهم أو ضعف التواصل.
لما كان على الطبيب واجبات تحتم عليه الالتزام بها وعدم الخروج عنها، ولا تقوم مسؤوليته قانونيًا إلا إذا أخطأ أو أخل بواجبه، فالمريض يقع عليه أيضًا جزء من المسؤولية وذلك بضرورة:
- التحري عن المرفق الصحي المناسب قبل التردد عليه، لضمان توفر الكوادر المؤهلة والمعدات اللازمة.
- الإبلاغ عن أي مخالفة أو تقصير يقع في المرفق الصحي، بما يسهم في حماية حقوقه وحقوق الآخرين.
- الالتزام بتعليمات الممارس الصحي وعدم التسبب بسلوك قد يعوق سير العلاج أو يعرقل تقديم الخدمة الطبية.
ويُستخلص من ذلك أن العلاقة بين الطبيب والمريض علاقة متبادلة، تقوم على الواجبات المتوازنة والحقوق المتبادلة، بحيث يضمن كل طرف سلامة المرحلة العلاجية ويقلل من الأخطاء والمنازعات القانونية.
الخاتمة:
يعتبر العمل الطبي مباحًا في أصله، تبعًا لمجموعة من المبادئ والنصوص النظامية ذات العلاقة، يهدف في المقام الأول لخدمة مصلحة المرضى ورعايتهم ورضاهم، وفي ختام هذا المقال، الذي تعرفنا من خلاله على الأخطاء الطبية في ظل النظام السعودي، ابتداءً من التعرف على أنواع الخطأ الطبي وصولاً إلى الحماية القانونية والعقوبات التي نص عليها نظام مزاولة المهن الصحية، نرى أن المنظم السعودي بذل العديد من الجهود التي تعمل على حماية حقوق المرضى ومصلحتهم في المقام الأول, وذلك من خلال المواد القانونية التي تمثل واجبات قانونية تقع على عاتق الأطباء ويترتب على الخروج عنها قيام مسؤوليته القانونية أو التأديبية.
وقد توصلنا من خلال هذا البحث إلى عدة نتائج نذكرها على النحو الآتي:
- الخطأ الطبي هو خطأ يحدث للمريض لعدم بذل الطبيب العناية اللازمة في معالجته، مما أدى إلى تضرر الأول معنويًا وجسديًا، ويؤدي إلى قيام مسؤولية الطبيب قانونيًا.
- يعد التزام الممارس الصحي بموجب أحكام نظام مزاولة المهن الصحية التزام بذل عناية، أي بذل كافة المجهودات دون الوعد أن يضمن للمريض تحقيق نتيجة معينة.
- تنقسم الأخطاء الطبية إلى أخطاء مهنية وأخرى غير مهنية، حيث ترتبط الأخطاء المهنية مباشرة بكفاءة الممارس الصحي والتزامه بالمعايير الطبية أثناء تقديم الرعاية، بينما الأخطاء غير المهنية تتعلق بسلوك الممارس الصحي خارج نطاق المهام الطبية.
- التزام الممارس الصحي يأتي ابتداءً من إدارة المرفق الصحي واتباعه بالتعليمات والنصوص التنظيمية.
- يختص القضاء العام بالنظر في دعاوى الأخطاء الطبية.
- التوصيات:
- ضرورة بذل العناية الواجبة عند تأدية العمل واتخاذ القرارات الطبية، لتقليل الاخطاء الطبية التي قد تعرض الممارسين الصحيين بالمساءلة القانونية.
- الاستمرار بتدريب الكوادر الطبية، وحثهم على حضور الدورات والمؤتمرات الطبية التي تقيمها وزارة الصحة ودوائرها.
- مصلحة المريض تأتي في المقام الأول: لحماية حقوقه وضمان استدامة المرافق الصحية، يجب أن يكون المريض هو الغاية الأساسية لكل سياسات وإجراءات الممارسين والجهات الصحية.
- تعزيز برامج التوعية الصحية للمريض، بحيث يكون مدركًا لحقوقه وواجباته، مما يقلل من النزاعات الطبية ويعزز جودة الرعاية.
قائمة المراجع والمصادر
- نظام مزاولة المهن الصحية، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 59) وتاريخ 4/11/1426.
- دليل سياسات الإدارة العامة لمكافحة عدوى المنشآت الصحية، الصادر عن وزارة الصحة لعام (2023م).
- الدليل الإرشادي لجميع حقوق المرضى، الصادر عن وزارة الصحة (يحق لك).
- دليل الإجراءات الوقائية للأمراض الوقائية، الصادر عن وزارة الصحة لعام (2024م).
- العتيبي، صالح. (2014م)،” الأخطاء الطبية وتقدير التعويض عنها في النظام السعودي”، كلية العدالة الجنائية، قسم الشريعة والقانون، جامعة نايف العربية للعلوم لأمنية.
- المطيري، فهد. (2025)،” المسؤولية الجزائية للأطباء والمرافق الطبية في الأنظمة السعودية (دراسة مقارنة)” ، كلية الخليج للعلوم الإدارية والإنسانية، جامعة السادات.
- الغنامي، سعود. (2022م). ” الأخطاء الطبية وفق نظام مزاولة المهن الصحية السعودي). المجلة الأكاديمية: 35: 179-189.
- خلف، محمد. ” مدى تطبيق ممارسات الرقابة في المستشفيات السعودية”. المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية31، 2: 721-724.


أكتب تعليقا