مقالة بعنوان: الملكية الفكرية وحماية الإبداع في القانون الوطني
المقدمة
تلعب التجارة دورًا مهمًا في تعزيز اقتصاد الدول وتلبية احتياجات المجتمع عبر توفير السلع والخدمات، كما تشجع على الابتكار من خلال خلق التنافس بين التجار لتقديم منتجاتهم تحت علاماتهم التجارية. ويعد الإبداع في هذا السياق قيمة إنسانية تعبر عن القدرات الذهنية والفكرية، وفي الوقت نفسه موردًا اقتصاديًا يمكن استثماره لتحويل الأفكار إلى منتجات وخدمات وأسواق جديدة تسهم في التنمية والتنافسية.
ومع التحول الرقمي برزت الملكية الفكرية كضرورة لحماية الابتكار والأنشطة التجارية الإلكترونية، إذ أصبحت الحقوق الفكرية مرتبطة بشكل مباشر بجذب الاستثمارات وتعزيز الثقة في بيئة الأعمال. وقد أولت المملكة العربية السعودية هذا الجانب اهتمامًا خاصًا ضمن رؤية 2030، من خلال تطوير التشريعات والأنظمة وتبني المبادرات التي تدعم ريادة الأعمال، ومن أبرز هذه المبادرات إنشاء “المركز السعودي للأعمال” الذي أسهم في تسهيل الإجراءات وارتفاع عدد السجلات التجارية بما يتجاوز (37) ألف سجل إلكتروني بنهاية 2023م.
ويعكس ذلك اتساع نطاق التجارة الرقمية وما يصاحبه من تحديات مثل القرصنة والاعتداءات الإلكترونية، الأمر الذي يبرز أهمية حماية العلامات التجارية وكافة حقوق الملكية الفكرية وصون حقوق أصحابها، ومن هنا تأتي أهمية تعزيز الوعي المجتمعي بأحكام الملكية الفكرية، وبيان أثرها في دعم التنمية المستدامة وتحقيق العدالة بين المبدعين والمستثمرين.
وعليه، يناقش هذا المقال الملكية الفكرية بدايةً من تعريفها وأنواعها، بالإضافة إلى التعرف على الأساس النظامي لحماية الإبداع في السعودية، وصولًا إلى صور الحماية ودور الجهات المعنية في الإنفاذ ومراقبة تطبيق الأنظمة، وما يقترن بها من مسؤولية وعقوبات رادعة.
المحور الأول: ماهية الملكية الفكرية وأبعادها
- تعريف الملكية الفكرية.
يعتبر مفهوم الملكية الفكرية ذو مفهوم واسع، حيث نصت الهيئة السعودية للملكية الفكرية على ذلك بقولها:” هي مجموعة الحقوق التي تحمي الفكر والإبداع الإنساني وتشمل حق المؤلف والحقوق المجاورة وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والنماذج الصناعية والأصناف النباتية والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة.
بناءً على ذلك، يمكن القول بأن الملكية الفكرية هي جميع ما يحمله الفكر الإنساني من إبداعات، تظهر على الأرض الواقع بشكل ملموس قد تتشكل على صورة علامة تجارية او براءة اختراع وهكذا، وهذا ما نصت عليه المنظمة العالمية للملكية الفكرية – الويبو- وذلك بقولها: إبداعات العقل من اختراعات ومصنفات أدبية وفنية وتصاميم وشعارات وأسماء وصور مستخدمة في التجارة”.
ومن هذا المنطلق، نرى أن حقوق الملكية الفكرية في المملكة لها تنظيمات خاصة التي نلخصها على النحو الآتي:
- حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لها.
- براءات الاختراع.
- العلامات التجارية.
- الأصناف التجارية.
- الأصناف النباتية.
- التصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة.
- الفرق بين الملكية المادية والفكرية.
تختلف الملكية الفكرية عن الملكية المادية من عدة أوجه، وذلك يظهر ابتداءً من التعريف الذي نذكره على النحو الآتي:
- الملكية الفكرية: هي الحقوق التي تنشأ عن الإبداع الفكري للإنسان، وتشمل الأفكار والابتكارات والمصنفات الأدبية والفنية والعلامات التجارية، بحيث تمنح صاحبها سلطة استغلال هذه الأفكار والاستفادة منها قانونياً لفترة محددة.
- الملكية المادية: هي الحقوق المتعلقة بالأشياء الملموسة الموجودة في الواقع، مثل الأراضي والمباني والمركبات، وتمكن صاحبها من التصرف بها والاستفادة منها والاستحواذ عليها بشكل دائم ما لم تنتقل ملكيتها، وتندرج الملكية المادية في النظام السعودي تحت الحقوق العينية الأصلية التي تقوم بذاتها دون الحاجة إلى وجود حق آخر تتبعه، ومن تلك الحقوق حق الملكية الذي تعرف الملكية المادية بمسماها، ويمكن تعريفه بأنه: ” هو من الحقوق التي تخول صاحبها سلطة كاملة على الشيء، من استعماله واستغلاله والصرف فيه”.
ومن زاوية أخرى، يندرج كلا المفهومين تحت تنظيم خاص يهدف إلى حماية حقوق المالكين وضمان استقرار المعاملات. فالقوانين المنظمة للملكية الفكرية تعنى بحماية الأفكار والإبداعات، وتشمل كل تصنيف تحت نظامه الخاص مثل نظام العلامات التجارية أو براءات الاختراع في المقابل، تركز القوانين المنظمة للملكية المادية على إثبات الحق في الأعيان الملموسة وتنظيم التصرف بها وفق أحكام نظام المعاملات المدنية، بما يحقق التوازن بين حرية التصرف للمالك وحماية حقوق الغير.
- أنواع الملكية الفكرية.
تنقسم الملكية الفكرية إلى عدة أنواع رئيسية، نذكرها على النحو الآتي:
- الملكية الفكرية الأدبية: وتشمل حقوق المؤلفين على مصنفاتهم المكتوبة، مثل الكتب والبحوث والمقالات، بما يضمن لهم حماية نتاجهم الفكري وإمكانية استثماره.
- الملكية الفكرية الفنية: وتضم المصنفات الفنية بمختلف صورها، كالرسوم والموسيقى والأفلام واللوحات الفنية، حيث تمنح الحماية للمبدع على عمله الفني.
- الملكية الفكرية الصناعية: وتشمل الاختراعات والابتكارات التقنية وبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية، وتهدف إلى تشجيع التطور الصناعي وحماية حقوق المبتكرين.
- الملكية الفكرية التجارية: وتتمثل في العناصر ذات الصلة بالنشاط التجاري، مثل العلامات التجارية والأسماء التجارية والشعارات، التي تميز منتجات أو خدمات عن غيرها في السوق.
وهكذا تتعدد أنواع الملكية الفكرية بتعدد المجالات، فنرى الأدبية والفنية في المجال ذا الطبيعة الأدبية والفنية التقنية، والملكية الصناعية تظهر في المجالات الصناعية، أما الملكية التجارية تعد من أكثر صور الملكية الفكرية انتشارًا في الواقع العملي، نظرًا لارتباطها بالأنشطة التجارية وحاجة الشركات إلى تمييز منتجاتها وخدماتها عن غيرها في السوق.
المحور الثاني: الأساس النظامي لحماية الإبداع في السعودية
- نظام حماية حقوق المؤلف.
يعتبر نظام حماية حقوق المؤلف من الأنظمة الرئيسية في المملكة لحماية الإبداع، بدايةً من النص على حقوق المؤلف، وصولاً إلى تنظيم أحكام انتقال ملكية هذه الحقوق، وتوضيح نطاق حماية حقوق المؤلف ومدتها، بالإضافة إلى ذكر العقوبات المترتبة على الإخلال بأحكام هذا النظام.
- نظام براءات الاختراع والتصميمات الصناعية.
يأتي نظام براءات الاختراع والتصميمات الصناعية بهدف توفير الحماية الكاملة للاختراعات داخل المملكة، والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة، والأصناف النباتية، والنماذج الصناعية، وتنظيم أحكامهم، وذلك استنادًا للمادة (1) من ذات النظام.
- نظام العلامات التجارية.
يهدف نظام العلامات التجارية إلى حماية حقوق أصحاب العلامات التجارية، ومنع التعدي عليها أو تقليدها، بما يضمن حماية حقوق المستهلكين، كما أنه يحدد إجراءات التسجيل لدى الهيئة السعودية للملكية الفكرية، بما يمنح مالكها حقًا حصريًا في استخدامها.
- ارتباط الأنظمة المحلية بالاتفاقيات الدولية.
ترتبط الأنظمة المحلية ومنها نظام حماية حقوق المؤلف، ونظام العلامات التجارية، وأيضًا نظام العلامات التجارية، ارتباطًا وثيقًا بالاتفاقيات الدولية التي انضمت لها المملكة العربية السعودية، كاتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية، واتفاقية تريبس (TRIPS) الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية، ويظهر هذا الارتباط من خلال مواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، بما يضمن توفير حماية فعالة لمختلف صور الملكية الفكرية.
المحور الثالث: صور حماية المبدع في الواقع العملي
- حماية المصنفات الأدبية والفنية.
كفل المنظم السعودي الحماية المثلى للمصنفات الأدبية والفنية من كتب وموسيقى وأفلام، التي تعتبر من إبداعات الفكر البشري، الذي جاء نظام حماية حقوق المؤلف لحماية مصالح أصحابها، ونلاحظ ذلك في نصوص متفرقة، ابتداءً من المادة (2) من نظام حماية حقوق المؤلف على المصنفات الأصلية التي عنى النظام في حمايتها، أيًا كان نوع هذه المصنفات، أو طريقة التعبير عنها، أو أهميتها، أو الغرض من تأليفها، مثل:
1 – المواد المكتوبة كالكتب، والكتيبات، وغيرها.
2 – المصنفات التي تلقى شفهيًّا كالمحاضرات، والخطب، والأشعار، والأناشيد، وما يماثلها.
3 – المؤلفات المسرحية، والتمثيليات، والاستعراضات، ونحو ذلك من العروض التي تؤدى بالحركة، أو بالصوت، أو بهما معًا.
4 – المصنفات التي تعد خصيصًا لتذاع، أو تعرض بواسطة الإذاعة.
5 – أعمال الرسم، وأعمال الفن التشكيلي، والعمارة، والفنون الزخرفية، والحياكة الفنية، ونحوها.
6 – المصنفات السمعية، والسمعية البصرية.
7 – أعمال الفنون التطبيقية سواء أكانت حرفية أم صناعية.
8 – أعمال التصوير الفوتوغرافي، أو ما يماثله.
9 – الصور التوضيحية، والخرائط الجغرافية، والتصاميم، والمخططات، والرسوم (الكروكية)، والأعمال التشكيلية المتصلة بالجغرافيا، والطبوغرافيا، وفن العمارة، والعلوم.
10 – المصنفات المجسمة المتعلقة بالجغرافيا، أو الطبوغرافيا، أو العمارة، أو العلوم.
11 – برمجيات الحاسب الآلي.
12 – تشمل الحماية كذلك عنوان المصنف إذا كان متميزًا بطابع ابتكاري، ولم يكن لفظًا جاريًا للدلالة على موضوع المصنف.
بناءً على ما ورد أعلاه، فإن أي صنف أدبي أو علمي أو فني، فأن المنظم نص لمؤلفها حقوقًا أدبية وأخرى تعتبر حقوقًا مالية، نذكرها على النحو الآتي:
أولاً: الحقوق الأدبية
نصت المادة (8) من ذات النظام على الحقوق التي تعتبر ذات صفة أدبية، وذلك على النحو الآتي:
- نسبة المصنف إليه، أو نشره باسم مستعار، أو بدون اسم.
- الاعتراض على أي تعد على مصنفه، ومنع أي حذف، أو تغيير، أو إضافة، أو تحريف، أو تشويه، أو كل مساس آخر بذات المصنف.
- إدخال ما يراه من تعديل أو إجراء أي حذف على مصنفه.
- سحب مصنفه من التداول.
كما أن تعد هذه الحقوق حقوقًا أبدية للمؤلف، ولا تقبل التنازل، ولا تسقط بالتقادم، وتبقى لصاحبها، ولا تسقط بمنح حق استغلال المصنف بأي وجه من وجوه الاستغلال، كما أنها تؤول إلى الوزارة في حال وفاة صاحب الحق دون وارث له.
ثانيًا: الحقوق المالية
نصت المادة (9) من نظام حقوق المؤلف على هذه الحقوق على النحو الآتي:
أولاً: للمؤلف أو من يفوضه حق القيام بكل التصرفات الآتية أو بعضها حسب طبيعة المصنف:
1 – طبع المصنف ونشره على شكل مقروء، أو تسجيله على أشرطة مسموعة، أو مرئية، أو أسطوانات مدمجة، أو ذاكرة إلكترونية، أو غير ذلك من وسائل النشر.
2 – ترجمة المصنف إلى لغات أخرى، أو اقتباسه، أو تحويره، أو إعادة توزيع المادة المسموعة، أو المرئية.
3 – نقل المصنف إلى الجمهور بأي وسيلة ممكنة، مثل العرض، أو التمثيل، أو البث الإذاعي، أو عبر شبكات المعلومات.
4 – جميع أشكال الاستغلال المادي لمصنف بوجه عام، بما في ذلك التأجير التجاري المسموح به.
ثانياً: يتمتع مؤلفو المصنفات الأدبية والفنية ومؤدوها ومعدوها ومنتجو التسجيلات السمعية وهيئات الإذاعة بحقوقهم المالية وفق ما توضحه اللائحة التنفيذية.
- حماية الابتكارات التقنية وبراءات الاختراع.
يأتي مفهوم الابتكار والاختراع بمعنى الاكتشاف العلمي أو التقني الذي يتسم بالجدة، الحذق، والمهارة، مما يستفاد منه في عدة مجالات، حيث نصت المادة (2) من نظام براءات الاختراع بأن الاختراع هو:” فكرة يتوصل إليها المخترع، وينتج عنها حل مشكلة معينة في مجال التقنية.
ومن هذا المنطلق أتى نظام براءات الاختراع لتنظيم أحكامها وحمايتها، حيث تعد حماية الابتكارات التقنية من أهم صور الملكية الفكرية، إذ يضمن نظام براءات الاختراع في المملكة العربية السعودية للمخترع حقًا حصريًا في استثمار ابتكاره واستغلاله ماديًا ومعنويًا، بما يحول دون قيام الغير بصناعته، أو استخدامه، أو بيعه أو استيراده دون إذن، وتتمثل الحماية في وثيقة الحماية التي تمنحها هيئة الملكية الفكرية لموضوع من موضوعات الحماية التي قد تكون براءة اختراع، أو شهادة تصميم، أو براءة نباتية، أو شهادة نموذج صناعي.
استنادًا على المادة (2) من النظام، تمنح وفق ضوابط تتمثل في الآتي:
١- يقدم الطلب أمام هيئة الملكية الفكرية وفق النموذح المعد لذلك، استنادًا للمادة (8) من النظام.
٢- تمنح وثيقة الحماية إذا كان استغلالها تجاريًا مخالفة للشريعة الإسلامية، أو مضرًا للحياة، أو بالصحة البشرية، أو الحيوانية، أو النباتية، أو البيئية، وذلك استنادًا على المادة الرابعة من النظام.
- حماية العلامات التجارية والهوية المؤسسية.
تملك العلامة التجارية أهمية بالغة لكل من التاجر والمستهلك، حيث تمثل العلامة الهوية الخاصة للخدمات والمنتجات التي يقدمها التاجر والتي بدورها تقوم بتمييزهم عن باقي الخدمات والمنتجات المماثلة المقدمة للجمهور في السوق، أثر ذلك جاء نظام العلامات التجارية بالنص على تكوينها وشروط صحتها، وهي أن تمتلك عنصر التميز والحداثة والمشروعية، استنادًا للمادة (1) من النظام.
وليست كل علامة تجارية تتمتع بالحماية، بالإضافة إلى أنه، حتى لو تمتعت بالحماية القانونية يبقى لها نطاق محدود، ومن هذا المنطلق نذكر شروط هذه الحماية على النحو الآتي:
- أن يتم تسجيلها لدى الهيئة السعودية للملكية الفكرية، وأن يكتسب قرار تسجيلها القطعية أي بمرور (90) يومًا من تاريخ شهرها الذي يتاح لكل ذي مصلحة من خلاله الاعتراض على قبول تسجيل هذه العلامة من أمام ديوان المظالم، وذلك استنادًا على المادة (15) من نظام العلامات التجارية.
- أن تكون من ضمن النطاق الزماني والمكاني لها، حيث تعتبر مدة حمايتها المترتبة على تسجيلها 10 سنوات، أما بالنسبة لنطاق حمايتها مكانيًا يكون في كامل أقليم المملكة.
- أن تكون العلامة المسجلة لا تقبل الشطب، حيث ورد في نظام العلامات التجارية حالات يجوز فيها شطب العلامة التجارية بقوة النظام وذلك فيما ورد في المادة (26) بقولها:” يشطب تسجيل العلامة التجارية بقوة النظام في الحالتين الآتيتين:
أ – العلامات التجارية التي لم يتم تجديد تسجيلها طبقا لهذا النظام ولائحته التنفيذية.
ب – العلامات التجارية التي يمتلكها أشخاص طبيعيون أو معنويون وصدر من السلطة المختصة قرار بحظر التعامل معهم.
ومن زاوية أخرى نصت المادة (25) على حالات يتم فيها شطب العلامة التجارية باللجوء للقضاء، بقولها:” للإدارة المختصة ولكل ذي مصلحة أن يطلب شطب تسجيل العلامة التجارية في الأحوال الآتية:
أ – إذا لم يقم مالك العلامة التجارية باستعمالها مدة خمس سنوات متتالية، دون عذر مشروع.
ب – إذا تم تسجيل العلامة التجارية بالمخالفة للنظام العام أو الآداب العامة.
جـ – إذا تم تسجيل العلامة التجارية بناءً على غش أو بيانات كاذبة.
ويختص ديوان المظالم بالفصل في طلبات شطب التسجيل.
- حماية البرامج والمحتوى الرقمي.
يحمي النظام السعودي المصنفات بشتى صورها، حيث نصت المادة (2) من نظام حماية حقوق المؤلف على أن المصنفات الأصلية تتمتع بالحماية أيًا كان نوعها وأيًا كانت وسيلة توصيلها للغير، بما في ذلك المصنفات الرقمية. وتُعد البرامج الحاسوبية والمحتوى الرقمي من أبرز هذه المصنفات، إذ يكفل النظام للمؤلفين والمبرمجين حقوقًا مالية ومعنوية تشمل حق النسخ، والنشر، والتوزيع، والتعديل، والاقتناء، ومنع أي استغلال غير مشروع. وتمتد هذه الحماية لتشمل البرمجيات، التطبيقات، قواعد البيانات، الألعاب الإلكترونية، والمحتوى المسموع والمرئي عبر الوسائط الرقمية، باعتبارها من المصنفات الأدبية المحمية.
المحور الرابع: آليات الإنفاذ وحماية الحقوق
- دور الهيئة السعودية للملكية الفكرية.
تعتبر الهيئة السعودية للملكية الفكرية هي الجهة المسؤولة الأولى عن تنظيم وحماية حقوق الملكية الفكرية في المملكة، بالإضافة إلى تطوير بيئة قانونية تتماشى مع المعايير الدولية، بما يسهم في تعزيز الابتكار ودعم الاقتصاد المعرفي. ويتضح دور الهيئة من خلال المهام الرئيسة التالية:
- إعداد وتطوير الأنظمة واللوائح الخاصة بمختلف مجالات الملكية الفكرية، مثل حقوق المؤلف، براءات الاختراع، العلامات التجارية، والتصاميم الصناعية.
- تسجيل الحقوق ومنح الشهادات التي تثبت الملكية، بما يضمن الاعتراف القانوني بحقوق أصحابها.
- الرقابة على التعديات ومكافحة القرصنة والتزوير، بالتعاون مع الجهات الأمنية والقضائية.
- نشر الوعي والثقافة القانونية من خلال حملات توعوية وبرامج تدريبية تستهدف الأفراد والمجتمع.
- تعزيز التعاون الدولي عبر المشاركة في المنظمات العالمية المختصة، مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO).
- دور القضاء والنيابة العامة.
لما كانت النيابة العامة هي جهة التحقيق في المملكة العربية السعودية، فأنه في سبيل حماية حقوق الملكية الفكرية من التعديات المختلفة، فأنه تم إنشاء نيابة تسمى بنيابة الملكية الفكرية، على أن تختص هذه النيابة بالتحقيق وتحريك الدعوى الجزائية في القضايا المتصلة بانتهاك حقوق الملكية الفكرية.
فهذه النقلة النوعية لها دور كبير في حماية حقوق الملكية الفكرية من خلال الفصل في المنازعات المتعلقة بالتعدي على هذه الحقوق، وإصدار الأحكام القضائية أما بموجب دعوى المنافسة غير المشروعة-كطريقة من طرق الحماية المدنية- ما إذا توافرت شروطها من خطأ وضرر وعلاقة سببية، مما يتوجب الحكم بالتعويض للمتضرر جراء التعدي على حقوقه، ومن زاوية أخرى تتمثل الحماية الجزائية فهي تتمثل في نطاق المسؤولية الجزائية التي تقتصر على ما حدده المشرع من جرائم في أنظمة الملكية الفكرية حيث لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص, وتعتبر المحكمة التجارية هي المختصة بالنظر في الدعاوى والمخالفات الناشئة عن تطبيق أنظمة الملكية الفكرية، استنادً على المادة (16) من نظام المحكة التجارية.
- دور الجمارك في منع دخول السلع المقلدة.
يقع على عاتق الجمارك دور جوهري في حماية المستهلك وصون حقوق الملكية الفكرية، ويمكن إبراز مهامها الأساسية فيما يلي:
- منع دخول السلع المقلدة أو المغشوشة عبر المنافذ الجمركية لضمان سلامة الأسواق المحلية.
- فحص الشحنات والتحقق من العلامات التجارية المسجلة ومطابقتها للمنتجات الأصلية.
- التنسيق مع الهيئة السعودية للملكية الفكرية وأصحاب الحقوق للكشف عن السلع المخالفة والتأكد من صحتها.
- مصادرة وإتلاف السلع المقلدة وفق الإجراءات النظامية المعمول بها.
- اتخاذ التدابير القانونية بحق المخالفين للأنظمة الجمركية وأنظمة حماية المستهلك.
- دور المجتمع في محاربة التقليد والقرصنة.
يكمن دور المجتمع في محاربة التقليد والقرصنة، ابتداءً من قمعها والتبليغ عنها لدى وزارة التجارة، بالإضافة إلى عدة أمور أخرى متمثلة في الآتي:
- تعزيز الوعي الاستهلاكي من خلال إدراك مخاطر شراء السلع المقلدة على الصحة والسلامة والاقتصاد.
- الالتزام بشراء المنتجات الأصلية والابتعاد عن المقلدة، بما يدعم المبتكرين والشركات النظامية.
- المشاركة في نشر الثقافة النظامية حول حقوق الملكية الفكرية وأهمية احترامها داخل المجتمع.
المحور الخامس: المسؤولية والعقوبات
- الغرامات والتعويضات.
يختلف تقدير الغرامات والتعويضات باختلاف نصوص الأنظمة وباختلاف جسامة الفعل المرتكب، ونذكر هذه التفصيلات على النحو الآتي:
- الغرامات
- يعاقب كل من تعدى على العلامات التجارية من خلال التزوير، أو التقليد، أو الاستعمال، أو البيع، أو الحيازة بسوء قصد، بما يؤدي إلى تضليل الجمهور والإضرار بحقوق أصحاب العلامة، وذلك استنادًا إلى المادة (43) من نظام العلامات التجارية السعودي، بغرامة مالية لا تقل عن خمسين ألف ريال ولا تزيد على مليون ريال.
- يعاقب كل من استعمل علامة غير مسجلة أو دون بيان تسجيل بغير حق بما يضلل الجمهور، بغرامة مالية لا تقل عن 20 ألف ريال ولا تزيد على 250 ألف ريال، وفقًا للمادة (44) من نظام العلامات التجارية السعودي.
- يعاقب كل من خالف حكما من احكام نظام حماية حقوق المؤلف، بغرامة مالية لا تزيد على مائتين وخمسين ألف ريال، استنادًا على المادة (22) من النظام.
- التعويضات
متى ما ثبت وقوع الخطأ والضرر وتوفرت العلاقة السببية بينهما، كان لكل متضرر الحق في طلب التعويض أمام المحكمة المختصة، بما يضمن حماية حقوقه وتعويضه عن الخسائر الفعلية.
- العقوبات الجزائية في حال الاعتداء المعتمد.
بتحليل النصوص النظامية فأنها لم تقتصر على تقرير الغرامات المالية، بل نصت على عقوبة السجن، وذلك على النحو الآتي:
- يعاقب كل من تعدى على العلامات التجارية من خلال التزوير، أو التقليد، أو الاستعمال، أو البيع، أو الحيازة بسوء قصد، بما يؤدي إلى تضليل الجمهور والإضرار بحقوق أصحاب العلامة، وذلك استنادًا إلى المادة (43) من نظام العلامات التجارية السعودي، بالحبس مدة لا تزيد على سنة.
- يعاقب كل من استعمل علامة غير مسجلة أو دون بيان تسجيل بغير حق بما يضلل الجمهور، بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وفقًا للمادة (44) من نظام العلامات التجارية السعودي.
- يعاقب كل من خالف حكما من احكام نظام حماية حقوق المؤلف، بالسجن مدة لا تزيد على ستة أشهر، استنادًا على المادة (22) من النظام.
- حماية المبدع عبر الدعاوى القضائية.
من حقوق المبدع التي كفلتها له أنظمة الملكية الفكرية، حق إقامة الدعاوى القضائية ضد المعتدين، طالبًا إثبات التعدي والمطالبة بالتعويض أو اتخاذ الإجراءات الجزائية المقررة نظامًا من غرامات وعقوبات.
المحور السادس: التحديات المعاصرة
- القرصنة الرقمية والنسخ غير المشروع.
تعتبر القرصنة الرقمية والنسخ غير المشروع من أبرز التعديات التي تشهدها الملكية الفكرية في الوقت المعاصر، حيث تتمثل الاعتداءات في شبكة الإنترنت على العلامات التجارية من خلال العناوين الإلكترونية الذي يمكن تعريفها بأنها: عنوان فريد مميز يمكن من خلاله تحدي موقع الشركة الإلكتروني أو شخص على شبكة الإنترنت.
التي يتم تسجيلها بالمملكة العربية السعودية من أمام المركز السعودي لمعلومات الشبكة حيث إنه يعتبر الجهة ذات الاختصاص، ويمثل الاعتداء على العلامات التجارية من خلال العناوين الإلكترونية هو المفهوم الرئيسي للقرصنة الرقمية، حيث يتم تسجيل علامة تجارية مملوكة للغير في صورة عنوان إلكتروني في شبكة الإنترنت، بما يحدث ذلك لدى المستهلك التضليل والتدليس.
وتعدد وسائل تسويتها إما من خلال دعوى التزوير أو تقليد العلامة التجارية كنوع من الدعاوى الجزائية، أو من خلال دعوى المنافسة غير المشروعة للتعويض عن أضرار لحقت بمن تم الاعتداء على علامته التجارية إلكترونيًا.
- ضعف الوعي المجتمعي بحقوق الملكية الفكرية.
يؤدي ضعف الوعي المجتمعي بحقوق الملكية الفكرية وأحكامها وعقوباتها، إلى انتشار الممارسات المخالفة لنصوص الأنظمة، بما يساهم ذلك في زيادة انتهاك حقوق المبدعين وضياع فرص استثمارهم.
- صعوبة الإثبات في بعض المجالات.
الإثبات هو إقامة الدليل على وقوع الجريمة ونسبتها إلى المتهم، فلا قيمة لأي ادعاءات دون توفر دليل ملموس. وتزداد هذه الصعوبة في الجرائم الإلكترونية، حيث يصعب فنيًا الاحتفاظ بآثارها وتحديد مرتكبيها، كما أن قضايا الملكية الفكرية لا سيما في قضايا الاعتداء على العلامات التجارية عبر العناوين الإلكترونية، إذ تصبح في هذه الحالة أكثر تعقيدًا، مما يزيد من صعوبة إثباتها وتطبيق العقوبات عليها، ومع ذلك، يظل الإثبات في الملكية الفكرية مكفولًا بكافة وسائل الإثبات المتاحة قانونيًا.
- الحاجة إلى تعزيز الثقافة القانونية لدى المبدعين.
تستدعي حماية حقوق الملكية الفكرية تعزيز الثقافة القانونية لدى المبدعين والمبتكرين، بما يتيح لهم فهم أحكام النظام والإجراءات القانونية المتاحة لرفع الدعاوى، وضمان صون حقوقهم واستيفاء التعويضات المقررة نظامًا.
الخاتمة
في ختام هذا المقال، الذي تناول حقوق الملكية الفكرية وأنظمتها في المملكة العربية السعودية، يتضح أن حماية الإبداع مسؤولية جماعية لا تقتصر على الجهات الرسمية فحسب، بل تشمل المبدعين والمجتمع ابتداءً، حيث يقع عليهم الالتزام بالقوانين والتعاون مع السلطات عند وجود مخالفات. وقد أسهمت التجربة السعودية في تنظيم وحماية حقوق المبدعين والمستثمرين، ويظهر ذلك جليًا في توفير آليات متطورة للتسجيل والرقابة وتقرير التعويضات، بما يعزز بيئة الابتكار ويحد من التعديات على الحقوق الفكرية.
ومن أجل تعزيز هذه الحماية بشكل أكبر، يوصى بالنقاط الآتية:
- ضرورة وجود تنظيم خاص بالنسبة للاعتداءات التي ترد على الملكية الفكرية عبر شبكة الإنترنت.
- رفع الوعي المجتمعي والثقافة القانونية لدى المبدعين والمبتكرين.
- استخدام الوسائل التقنية لمراقبة السوق وكشف السلع المقلدة وتسهيل إجراءات تسجيل العلامات والحقوق.
- إقامة ندوات وبرامج تدريبية في شتى الهيئات لزيادة التوعية بحقوق الملكية الفكرية وأحكامها.
- تشديد العقوبات المقررة للتعديات التي ترد على الملكية الفكرية.
وخلاصة القول، فإن حماية حقوق الملكية الفكرية تعد ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسية المملكة عالميًا، ولا يتحقق ذلك إلا بتكامل الأدوار بين الدولة والمجتمع والأفراد، في سبيل بناء بيئة محفزة للإبداع، تضمن استمرارية الابتكار وتحافظ على الحقوق الفكرية.
قائمة المراجع والمصادر
- الأنظمة واللوائح
- نظام المحكمة التجارية، مرسوم ملكي رقم م/2 بتاريخ 15/1/1390 هـ.
- نظام العلامات التجارية، مرسوم ملكي رقم م/ 21 بتاريخ 28/5/1423 هـ.
- نظام حماية حقوق المؤلف، مرسوم ملكي رقم م/41 بتاريخ 2/7/1424 هـ.
- نظام براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة والأصناف النباتية والنماذج الصناعية، مرسوم ملكي م/ 27 بتاريخ 29/5/1425 هـ.
- الدراسات والمقالات القانونية
- زاوني نادية، (2019)،”المشاكل التي تواجهها الملكية الفكرية في البيئة الرقمية -بين صعوبة الاكتشاف والإثبات-، كلية الحقوق، جامعة الجزائر.
- محمد شريف، (1443)،”المملكة العربية السعودية وحقوق الملكية الفكرية: دروس من النهج الصيني”، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
- هوام محمد، (2016م)،” حماية العلامة التجارية في الفضاء الرقمي”, كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قاصدي، الجزائر.
- الدوريات
- القرشي، زياد. (1434هـ)” حماية الاسم التجاري من المنافسة غير المشروعة: دراسة مقارنة بين القانونين السعودي والمصري، مجلة جامعة الملك سعود 23: 73-116.
- الشيخ، باسم. (2023م)،” براءة الاختراع وتطور حمايتها في إطار القانون الدولي, 38: 508-509.
- المواقع الإلكترونية
وكالة الأنباء السعودية، (1445هـ)، مجلس النيابة العامة يقر إنشاء نيابة الملكية الفكرية، متاح على: https://www.spa.gov.sa/N2047546
أكتب تعليقا