جريمة غسل الأموال في النظام السعودي: دراسة تحليلية في الأركان والمسؤولية الجزائية
المقدمة
تعد جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم التي تهدد اقتصاد الدولة، إذ لا تقتصر أفعالها على سلوك واحد، وقد ترتبط بجريمة أصلية أو تقع مستقلة عنها، وهي كثيرًا ما تتصل بجرائم تقليدية خطيرة مثل الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، أو تمويل الإرهاب، أو الاتجار بالبشر، وغيرها من صور الجريمة المنظمة المنتشرة عالميًا.
وتزداد خطورة هذه الجريمة بالنظر إلى أساليبها المتطورة ووسائلها المتعددة التي تصعب على السلطات تعقب مسار الأموال غير المشروعة، مما يفرض على الجهات المعنية والممارسين القانونيين إتقان فهم الأركان والعناصر المكونة لها، واستيعاب النصوص النظامية ذات الصلة، إلى جانب الإلمام بالسوابق القضائية والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة.
ومن هنا تبرز أهمية الإلمام بتفاصيل الاتهام وتحليلها، وإضفاء الوصف القانوني السليم عليها بما يعزز قوة الدفاع، حيث إن تحليل الاسانيد النظامية بدقة، وإنزالها على الوقائع القانونية، يعد خطوة أساسية لضمان تحقيق العدالة وحماية المتهم من أي تجاوزات أو قصور في الإجراءات. وتهدف هذه الورقة إلى مساعدة المتهم في فهم حقوقه النظامية، وتحليل موقفه القانوني على نحو يمكنه من تبني استراتيجية دفاعية فعالة.
- إشكالية البحث
ما أثر جريمة غسل الأموال على الاقتصاد الوطني، ودور النظام السعودي في مكافحتها، ويتفرع من هذه الإشكالية عدة تساؤلات وهي كالآتي:
- ما هو الإطار النظامي في المملكة العربية السعودية لمكافحة غسل الأموال؟
- ما هي الأركان المكونة لجريمة غسل الأموال في النظام السعودي؟
- ما أنواع الأنشطة أو الأفعال التي يجرمها النظام بوصفها غسلا للأموال؟
- ما نطاق المسؤولية الجزائية للأشخاص الطبيعيين والمعنويين في جرائم غسل الأموال؟
- أهداف البحث
يهدف هذا البحث إلى بيان الأثر الاقتصادي لجريمة غسل الأموال، وتحليل الإطار النظامي السعودي المتعلق بتجريمها ومكافحتها، مع توضيح المسؤوليات والعقوبات المقررة، بما يساعد على فهم الموقف القانوني للمتهمين، بالشكل الذي يكفل توصيف الأفعال المجرمة توصيفًا سليمًا وإيقاع الأسانيد النظامية المنوطة بها.
- منهج البحث
نعتمد في هذه الدراسة على المنهج الوصفي، كونه الأمثل لعنوان الدراسة الحالية لتوضيح نطاقها الموضوعي كما هو، بالإضافة إلى المنهج التحليلي لتحليل نصوص الأنظمة ذات الصلة لفهمها وتوضيحها وتطبيقها على موضوع البحث.
الفصل الأول: أركان جريمة غسل الأموال، محل السلوك وصوره
- الركن المفترض (الجريمة الأصلية)
يعد مناط تجريم غسل الأموال هو إضفاء الشرعية على الأموال المتحصلة من الجرائم، مما يجعلها جريمة تبعية لا تقوم إلا بوجود جريمة أصلية سابقة نتجت عنها تلك الأموال، سواء كانت أموالاً منقولة، أو عقارات، أو وثائق أو مداخيل أخرى.
وتكمن المشكلة في أن غسل الأموال لا يعد من الجرائم الأصلية، بل بطبيعته يعتمد على وقوع جريمة سابقة عليه، وهي ما يعرف بـ “الجريمة الأصلية”، وقد عرّف المنظم السعودي الجريمة الأصلية في المادة الأولى من نظام مكافحة غسل الأموال بأنها:
“كل فعل يرتكب داخل المملكة يشكل جريمة معاقباً عليها وفق الشرع أو الأنظمة في المملكة، وكل فعل يرتكب خارج المملكة إذا كان يعد جريمة وفقاً لقوانين الدولة التي ارتكب فيها، ووفقاً للشرع أو أنظمة المملكة فيما لو ارتكب داخلها”.
لمكافحة هذه المشكلة، يتطلب الأمر تتبع مصدر الأموال والتحقق من مدى مشروعيتها، ومعاقبة من يقوم بعمليات تهدف إلى إخفاء أو تمويه أصلها غير المشروع.
فعلى سبيل المثال، إذا قام شخص بالاتجار غير المشروع بالمخدرات محققًا أرباحًا مالية كبيرة، ثم عمد إلى إيداع تلك الأموال في النظام المصرفي أو استثمارها في أنشطة مشروعة بهدف إخفاء مصدرها، فإن الحل القانوني يتمثل في تجريم هذا التصرف اللاحق باعتباره غسل أموال، ومعاقبة مرتكبه إضافة إلى معاقبته على الجريمة الأصلية وهي الاتجار بالمخدرات.
استنادًا على نص المنظم على أن كلا الجريمتين مستقلتان عن بعضهما في المادة (4) من نظام مكافحة جريمة غسل الأموال ولائحته التنفيذية، بالتالي لا تلزم إدانة الشخص بارتكاب الجريمة الأصلية من أجل إدانته بجريمة غسل الأموال أو من أجل اعتبار الأموال متحصلات جريمة، سواء ارتكبت الجريمة الأصلية داخل المملكة أو خارجها.
- الركن المادي: الإيداع، التحويل، الإخفاء، الاكتساب، التمويه، التمليك.
بادئ ذي بدء، تشكل جريمة غسل الأموال تهديدًا على الاقتصاد الوطني من عدة أوجه، أولها الإساءة لسمعة الدولة وجعلها بؤرة رئيسية لعمليات غسل الأموال، مما يجعلها عرضة لضعف الاستثمار فيها.
علاوةً على تأثيرها في الاستقرار المالي والاقتصادي للدولة، إذ يلجأ مرتكبي جريمة غسل الأموال إلى الدخول في مشاريع تجارية بهدف إضفاء صفة المشروعية على أموالهم، وما إن يتحقق هدفهم حتى يعزفوا عن الاستمرار فيها، مما يترك آثارًا سلبية على السوق ويؤثر في استقراره.
ولا سيما أن ذلك يمتد أثره إلى الاستقرار السياسي، حيث قد يسعى غاسلي الأموال إلى التأثير على أصحاب القرار أو النفوذ، مستغلين أموالهم غير المشروعة لتحقيق مصالحهم الخاصة، وهو ما يهدد الأمن الوطني.
ومن هذا المنطلق، تتعدد السلوكيات للركن المادي لجريمة غسل الأموال بين الإيداع، التحويل، الإخفاء، الاكتساب، التمويه، والتمليك كما جاءت بذلك المادة الثانية من النظام، وتنصب هذه السلوكيات على محل معين، وهي المتحصلات ذات المصدر الجرمي.
التي عرفتها المادة الأولى من نظام مكافحة غسل الأموال بقولها:” الأموال الناشئة أو المتحصلة -داخل المملكة أو خارجها- بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتكاب جريمة أصلية، بما في ذلك الأموال التي حولت أو بدلت كلياً أو جزئياً إلى أموال مماثلة”.
تأسيسًا على ما سبق، فإن جوهر التجريم يتمثل في إضفاء المشروعية على متحصلات الجريمة ذات المصدر غير المشروع، وذلك من خلال أي من الأفعال التي يقصد الشخص ارتكابها أو الشروع فيها، كأن يقوم بفعل التحويل عبر العمليات المصرفية، كالتحويلات التي تتم عبر المؤسسات المالية، أو العمليات غير المصرفية، كاستبدال العملة الورقية بالعملات المعدنية لتسهيل حملها. أما النقل، فيقصد به تهريب الأموال أو العملات المتحصلة من الجريمة إلى خارج الدولة.
وقد ذهب المنظم السعودي إلى أبعد من ذلك، حيث لم يقتصر التجريم على مجرد تحويل الأموال أو نقلها، بل شمل بنصه على السلوكيات الآتية:
-الاكتساب: الحصول على مال بأي طريقة مع العلم أنه من جريمة، مثل شراء عقار بأموال مخدرات.
-الحيازة: وجود المال بحوزة الشخص أو تحت تصرفه مع العلم بمصدره غير المشروع، مثل حفظ مبلغ إجرامي في خزنة.
-الاستخدام: استفادة الشخص أو توظيف المال في نشاط وهو يعلم أنه من جريمة، مثل استثمار أموال رشوة.
-إخفاء، أو تمويه طبيعة أموال، أو مصدرها، أو حركتها، أو ملكيتها، أو مكانها، أو طريقة التصرف بها أو الحقوق المرتبطة بها، مع علمه بأنها من متحصلات جريمة.
تلخيصًا لما سبق، يمكن تعريف جريمة غسل الأموال بأنها”: عملية ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافًا للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر”.
الركن المعنوي: القصد الجنائي العام والخاص في جرائم غسل الأموال.
لقيام جريمة غسل الأموال لا يكفي وجود الفعل فقط (الركن المادي)، بل يجب وجود القصد الجنائي الذي ينقسم إلى:
-القصد العام: علم المتهم أن فعله جريمة، ومع ذلك تتجه إرادته الحرة للقيام بها.
-القصد الخاص: مطلوب في بعض الحالات (مثل تحويل أو نقل الأموال)، بأن يستهدف المتهم عند تحويله أو نقله للأموال إحدى الغايتين الآتيتين:
1-إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال أو تمويهه التي يعلم أنها متحصلة من جريمة.
2-مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تحصلت منها تلك الأموال للإفلات من عواقب ارتكابها.
الفصل الثاني: المسؤولية الجنائية والجزاءات المقررة
- المسؤولية الجنائية للفاعل الأصلي والشركاء
بالاستناد على نظام مكافحة جريمة غسل الأموال في المادة (2) نرى أن المنظم قد حصر صور هذه الجريمة في إما أن يقوم الشخص بنقل أو تحويل الأموال، أو أن يقدم على الاكتساب من الأموال غير المشروعة، أو حيازة هذه الأموال أو استخدامها، أو أن يكتفي بإخفاء طبيعة هذه الأموال وتمويهه المصدر الرئيسي لها، أو الشروع في ارتكاب أي من الأفعال السابقة، إذ تقوم المسؤولية الجنائية بتوافر صور الجريمة بأركانها النظامية للفاعل الأصلي.
والأمر لا يعدو أيضًا بالنسبة للشخص الاعتباري حيث نص المنظم في المادة (5) من نظام مكافحة غسل الأموال على:” يُعد الشخص الاعتباري مرتكباً جريمة غسل الأموال إذا ارتكب باسمه أو لحسابه أي من الأفعال الواردة في المادة (الثانية) من النظام، وذلك مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجنائية لرؤساء وأعضاء مجالس إداراته أو مالكيه أو العاملين فيه أو ممثليه المفوضين أو مدققي حساباته، أو أي شخص طبيعي آخر يتصرف باسمه أو لحسابه”.
أما بالنسبة للشريك فقد نص المنظم على قيام مسؤوليته إما عن طريق صور الاشتراك العامة أي بالاتفاق مع الفاعل الأصلي أو مساعدته في ارتكاب الجريمة أو حتى تحريضه، وإما عبر الصور الأخرى التي أوردها المنظم وهي:
-تقديم المشورة أو التوجيه.
– النصح أو التسهيل.
-التواطؤ أو التستر أو التآمر.
- مسؤولية المؤسسات المالية والموظفين المتورطين.
عرف المنظم في المادة (1) المؤسسات المالية بأنها هي: ” كل من يزاول واحداً (أو أكثر) من الأنشطة أو العمليات المالية -التي تحددها اللائحة- لمصلحة عميل أو نيابة عنه”.
وقد رتب النظام على هذه المؤسسات التزامات محددة تعد من التدابير الوقائية لمنع استغلالها في عمليات غسل الأموال، حيث يقع عليها ابتداءً تحديد المخاطر المحتملة لوقوع الجريمة لديها حيث نصت المادة (5) على:” تحديد أخطار احتمال وقوع غسل الأموال لديها وتقييمها وتوثيقها وتحديثها بشكل مستمر، من خلال
الجوانب المتعددة للمخاطر بما فيها العوامل المرتبطة بعملائها والدول الأخرى والمناطق الجغرافية والمنتجات والخدمات والمعاملات وقنوات التسليم، وتوفير تقارير عن ذلك للجهات الرقابية عند الطلب. وعليها أن تراعي -عند قيامها بذلك- المخاطر المرتبطة بالمنتجات الجديدة وممارسات العمل والتقنيات قبل استخدامها”. ومن ثم تأتي الالتزامات الأخرى التي تقع على عاتق المؤسسات المالية -في سبيل مكافحة جريمة غسل الأموال وقائيًا في بيئتها- (5-16) من نظام مكافحة غسل الأموال، ومن أبرزها:
تطبيق العناية الواجبة مع العميل.
- التحقق من هوية العملاء والمستفيدين الحقيقيين.
- الاحتفاظ بالسجلات والبيانات لفترة زمنية محددة.
- الإبلاغ عن العمليات المشبوهة إلى الإدارة العامة للتحريات المالية.
كما أن مسؤولية الموظفين في هذه المؤسسات تمتد لتشمل التزامهم بعدم المشاركة أو التواطؤ أو التستر على أي عملية مشبوهة، وإلا كانوا في محل المساءلة الجنائية متى ما ثبت تورطهم.
وتقع مسؤولية الرقابة على هذه المؤسسات على عاتق البنك المركزي السعودي، حيث نصت المادة (4) من نظام البنك على أن يكون الإشراف والرقابة من مسؤوليتها، لضمان التزامها بالأنظمة والتعليمات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
- الجزاءات النظامية وفق نظام مكافحة غسل الأموال السعودي السجن، الغرامة، مصادرة الأموال
يعاقب المنظم السعودي على ارتكاب جريمة غسل الأموال بأي صورة أقدم عليها الجاني بعقوبة السجن والغرامة حسب نص المادة (26) من نظام مكافحة غسل الأموال بقولها:
” يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة (الثانية) من النظام؛ بالسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز عشر سنوات، أو بغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين”.
أما بالنسبة إلى الشخص الاعتباري فيعاقب بغرامة لا تزيد على خمسين مليون ريال سعودي ولا تقل عن ضعف قيمة الأموال محل الجريمة، حسب نص المادة (31) من النظام.
بالإضافة إلى ما سبق، اشترط المنظم ثبوت الإدانة بحق المتهم -بجريمة غسل الأموال- ليتسنى الحكم قضائيًا بعقوبة المصادرة مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية.
وبحسب المادة (33) قد يتضمن الحكم بالمصادرة إحدى الأمور الآتية:
أ- الأموال المغسولة.
ب- المتحصلات-الأموال الناشئة أو المتحصلة من الجريمة الأصلية-. فإن اختلطت بأموال اكتسبت من مصادر مشروعة فيصادر منها ما يعادل القيمة المقدرة لها.
ج- الوسائط.
وتحكم المحكمة المختصة بمصادرة الأموال المرتبطة بجريمة غسل أموال بصرف النظر عما إذا كانت في حيازة أو ملكية مرتكب الجريمة أو طرف آخر.
- العقوبات التبعية (المنع من السفر والإبعاد)
إلى جانب العقوبات الأصلية المقررة لجريمة غسل الأموال، نص المنظم السعودي على عدد من العقوبات التبعية التي تطبق تبعًا للحكم بالعقوبة الأصلية، ومن ذلك:
-في حق السعودي: يمنع المحكوم عليه بعقوبة السجن في جريمة غسل أموال من السفر خارج المملكة لمدة مماثلة لمدة السجن المحكوم عليه بها.
-في حق غير السعودي: يبعد المحكوم عليه في جريمة غسل أموال عن المملكة بعد تنفيذ العقوبة المحكوم عليه بها، ولا يسمح له بالعودة إليها.
– في حق الشخص ذي الصفة الاعتبارية: يجوز معاقبته بمنعه -بصفة دائمة أو مؤقتة – من القيام بالنشاط المرخص له به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو بإغلاق مكاتبه التي استخدمت في ارتكاب الجريمة بصفة دائمة أو مؤقتة، أو بتصفية أعماله.
- الظروف المخففة والمشددة في النظام
تختلف جسامة العقوبات بحسب الوقائع في كل تهمة – حسب سلطة القاضي التقديرية- علاوةً على توافر بعض الظروف التي نص عليها المنظم وهي على نوعين:
أولاً: الظروف المخففة
وفقًا للمادة (30) من نظام مكافحة غسل الأموال، يجوز تخفيف العقوبات الواردة في المادة (26) من النظام إذا تحققت الظروف المقررة نظامًا، بحيث تصبح العقوبة: السجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز سبع سنوات، أو غرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال أو كلتا العقوبتين معًا.
ويتحقق هذا التخفيف في حال:
1-قام أحد مرتكبي الجريمة بإبلاغ السلطات المختصة عن الجريمة قبل علمها بها أو عن مرتكبيها الآخرين، وأدى بلاغه إلى ضبطهم، أو ضبط الأموال، أو الوسائط، أو المتحصلات.
2- أو بادر بعد علم السلطات بها – بالإبلاغ بمعلومات لم يكن من الممكن الحصول عليها بطريق آخر، مما ساعد على:
•منع ارتكاب جريمة غسل أموال أخرى أو الحد من آثارها.
•تحديد مرتكبي الجريمة الآخرين أو ملاحقتهم قضائيًّا.
•الحصول على أدلة.
•حرمان الجماعات الإجرامية المنظمة من أموال غير مشروعة أو منعها من السيطرة عليها
ثانيًا: الظروف المشددة
يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال -المنصوص عليها في المادة (2) من النظام – بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمس عشرة سنة، أو بغرامة لا تزيد على سبعة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين، إذا اقترنت الجريمة بأي من الحالات التالية:
1-ارتكابها من خلال جماعة إجرامية منظمة.
2-استخدام العنف أو الأسلحة.
3-اتصالها بوظيفة عامة يشغلها الجاني أو ارتكابها باستغلال السلطة أو النفوذ.
4-الاتجار بالبشر.
5-استغلال قاصر أو من في حكمه.
6-ارتكابها من خلال مؤسسة إصلاحية أو خيرية أو تعليمية أو في مرفق خدمة اجتماعية.
7-صدور أي حكم سابق محلي أو أجنبي بإدانة الجاني.
الفصل الثالث: متى تتحقق الجريمة؟ ومتى تنتفي؟
- الشروط الواجب توافرها لقيام الجريمة.
تتعدد الشروط النظامية الواجب توافرها لقيام جريمة غسل الأموال باختلاف صورها، حيث تختلف المتطلبات من صورة إلى أخرى، غير أن الركنين العامين لكل جريمة -الركن المادي والركن المعنوي- يظلان ثابتين، مع مراعاة ما قد يتطلبه بعض الصور من توافر القصد العام أو الخاص.
بالتالي يعنى بالشروط النظامية هي ذاتها أركان الجريمة، لكن مع اشتراط توافر أوصاف معينة في أركان الجريمة وهي على النحو الآتي:
– أن تكون الأموال ناتجة من جريمة أصلية (رشوة، مخدرات، اتجار بالبشر، …)
– أن يكون القصد هو إخفاء المصدر غير المشروع أو تمويهه، مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تحصلت منها تلك الأموال للإفلات من عواقب ارتكابها.
التي تبدأ هذه الأركان من الركن المفترض، والمتمثل في وجود جريمة أصلية نتجت عنها الأموال محل الغسل، مرورًا بالركن المادي، إذ لا قيام للجريمة بدونه، وهو المتمثل في السلوك الإجرامي. وفي جريمة غسل الأموال، يتمثل جوهر الركن المادي في كل فعل يقصد منه الجاني إضفاء الصفة المشروعة على متحصلات الجريمة.
ولا يكفي مجرد ارتكاب الفعل لقيام الجريمة، بل يجب توافر الركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي، وذلك بعلم الجاني بمصدر الأموال غير المشروع وخضوعها للتجريم، ومع ذلك تتجه إرادته الحرة إلى ارتكاب الفعل، الذي يمر في الغالب بثلاثة مراحل وهي على النحو الآتي:
- مرحلة الإيداع (التوظيف): وهي المرحلة الأولى، وتهدف أساسًا إلى إدخال المتحصلات الناتجة عن الأنشطة غير المشروعة في النظام المالي بطريقة لا تثير الشك حول مشروعيتها، ويتم ذلك غالبًا من خلال إيداعها في البنوك أو تحويلها إلى عملات أجنبية أو أصول مالية أخرى.
- مرحلة التغطية (التمويه): وتعد هذه المرحلة هي محور نجاح عملية الغسل أو فشلها، حيث يسعى الجاني من خلالها إلى إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال التي تم إيداعها في البنوك، كإجراء تحويلات مصرفية متسلسلة بين عدة حسابات أو مؤسسات مالية في أماكن مختلفة.
- مرحلة التكامل (الدمج): وهي المرحلة الأخيرة التي يتم فيها جعل الأموال المغسولة في مظهر الاقتصاد المشروع، بحيث تظهر وكأنها أموال ذات مصدر قانوني، من خلال استثمارها في مشاريع أو أصول أو أنشطة تجارية تبدو نظامية.
- قرائن كافية أو دلائل للاتهام.
بالنظر إلى سلوكيات مرتكبي جريمة غسل الأموال، يتضح أن السرية تعد السمة الغالبة في جميع مراحل تنفيذها، إذ يحرص القائمون بها على إحاطة العملية كاملة بأعلى درجات الكتمان، بدءًا من مرحلة الإيداع، مرورًا بمرحلة التغطية، وانتهاءً بمرحلة التكامل.
ومن هنا تتجلى صعوبة الإثبات أو النفي في مثل هذه الجرائم، لما تتسم به من تعقيد في تتبع مسار الأموال وكشف مصدرها غير المشروع، ومع ذلك، يظل المجال متاحًا لإثباتها إما عبر الأدلة المباشرة أو من خلال القرائن الكافية التي قد تختلف باختلاف صورة الجريمة وظروف ارتكابها.
ومن أبرز الأدلة المباشرة لجريمة غسل الأموال:
-إقرار صادر من الجناة أو الشركاء.
– التلبس بالجريمة، مثل القبض على المتهم ومعه مبالغ ضخمة نقدًا أو محولة إلى عملات أجنبية دون مبرر مشروع.
-كشوف الحسابات البنكية التي تثبت تحويل الأموال من أو إلى جهات معروفة بارتباطها بأنشطة غير مشروعة، سواء داخل المملكة أو خارجها.
وفي سبيل مكافحة جريمة غسل الأموال، نص المنظم في المادة (24) من النظام على وجوب أن تتخذ الجهات الرقابية – من وزارات وهيئات – جملة من التدابير لتعزيز الرقابة، ومنها إصدار تعليمات أو قواعد أو إرشادات للمؤسسات المالية، والأعمال والمهن غير المالية المحددة، والمنظمات غير الهادفة للربح، تنفيذًا لأحكام النظام.
وانطلاقًا من ذلك، أصدرت العديد من الجهات المختصة أدلة إرشادية تتضمن مؤشرات ومعايير يمكن من خلالها رصد العمليات المشتبه بها، لتكون بمثابة قرائن كافية أو دلائل قوية توجه مسار التحقيق وتدعم الاتهام في حال غياب الدليل المباشر، وتختلف القرائن باختلاف أساليب الجناة في إخفاء مصدر الأموال غير المشروع، إذ يلجأ كل منهم إلى طرقه الخاصة في التمويه، سواء من خلال تعدد العمليات المالية، أو تنويع الاستثمارات، أو استغلال المشاريع التجارية، الأمر الذي يجعل طبيعة القرائن مرتبطة بسلوك الجاني وآلية تنفيذه للجريمة.
وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:
أولاً: المؤشرات الدالة على العمليات المشتبه بها في تجارة بيع وشراء المعادن الثمينة والأحجار الكريمة ما يلي:
- شراءها بمبالغ كبيرة بغض النظر عن مواصفاتها.
- محاولة إرجاع مشتريات حديثة الشراء واسترداد قيمتها دون سبب وجيه.
- قيام العميل بتسجيل المعادن أو الأحجار باسم شخص آخر لإخفاء ملكيته لها.
ثانيًا: المؤشرات الدالة على العمليات المشتبه بها من خلال المنظمات غير الهادفة للربح، قد يستغل بعض مرتكبي جريمة غسل الأموال إطار العمل الخيري أو الإنساني كغطاء لإضفاء المشروعية على الأموال غير المشروعة، وذلك عبر التبرع بمبالغ كبيرة لمنظمة لا تهدف للربح، ثم اشتراط أن تتعامل هذه المنظمة مع شركات تجارية محددة -قد تكون واجهة لمرتكب الجريمة -لتقديم خدمات أو توريد مواد.
وبهذه الطريقة، تتحول متحصلات الجريمة إلى الشركة بصفة تبدو نظامية، مثل عقود خدمات أو فواتير شراء، مما يضفي مظهرًا قانونيًا على العملية ويعقد اكتشافها.
- حالات الانتفاء (الشك المشروع، أو جهل المصدر غير المشروع)
لا تقوم جريمة غسل الأموال إلا بتوافر الركن المادي والمعنوي معًا، ويقع على من يدعي ارتكابها عبء الإثبات، فكل الادعاءات تبقى قابلة لنفيها باستخدام كافة طرق الإثبات.
فعلى سبيل المثال، قد يقوم المتهم بإجراء تحويلات مالية، لكن مجرد هذا الفعل لا يعتبر جريمة؛ فهو يظل قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس، حيث يشترط لتتحقق الجريمة، ثبوت توافر القصد الجنائي، أي علم المحول بأن الأموال التي يقوم بتحويلها هي متحصلات جريمة، واتجاه إرادته الحرة في القيام بهذا الفعل مع معرفته بمصدر الأموال غير المشروع.
الفصل الرابع: أبرز الأمثلة الواقعية على غسل الأموال
- قضايا منشورة عن غسل الأموال في المملكة.
- قضية غسل الأموال (1434هـ):
تتلخص وقائع هذه القضية في قيام المدعى عليه بارتكاب سلوك مجرم بموجب نظام مكافحة غسل الأموال، وذلك لاكتسابه مبلغًا مقدر (4000) ريالاً سعودي مع علمه أنه من متحصلات جريمة، حيث إنه أقر بأنه يعمل لمؤسسة ما، بدون أن تشغله في أي عمل وتركت له الأخيرة العمل لحسابه الخاص والتكسب من خلال ذلك، مما يعد ذلك مخالفة صريحة لنظام العمل، أثر ذلك أدانته المحكمة بتهمة غسل الأموال وتضمن حكمها عقوبة السجن لمدة خمس أيام وإعادة كافة المضبوطات إليه.
- قضية غسل الأموال (1443هـ):
تتلخص وقائع هذه القضية في قيام أشخاص مواطنين ووافدين، يعملون في عدد من المؤسسات التجارية بارتكاب سلوك مجرم بموجب نظام مكافحة غسل الأموال، ولك لاستخدامهم الحسابات البنكية العائدة لهم بمقابل مادي شهري قدره 10 آلاف ريال؛ لتكون غطاء في تحويل تلك الأموال غير المشروعة لخارج المملكة، تحت مظلة نشاط تجاري صوري، مما يعد فعلاً مجرمًا وفق المادة (2) من نظام مكافحة غسل الأموال، أثر ذلك صدر حكمًا يقضي بإدانتهم بما نسب إليهم، وسجنهم لمدة 31 عامًا وتغريمهم أكثر من 152 تمثل القيمة المماثلة للأموال غير المشروعة المهربة خارج المملكة، بالإضافة إلى عقوبة المنع من السفر بحق المواطنين وذلك لمدة مماثلة لمدة سجنهم، وإبعاد المتهمين الأجانب عن البلاد بعد انتهاء مدة سجنهم.
- آلية كشف جرائم غسل الأموال.
يتم كشف جرائم غسل الأموال بالمقام الأول عن طريق البنوك، حيث يقع على عاتقها التزام مضمونه مراقبة جميع العمليات البنكية لعملائها، والتحقيق معهم عند وجود أي مؤشرات اشتباه توحي لموظف البنك بوقوع عمليات غسل أموال، بناءً على ما سبق نقسم هذه المؤشرات على النحو الآتي:
- مؤشرات شخصية: وهي المؤشرات المرتبطة بسلوك العميل أو الموظف في هذا المجال، كأن يقوم العميل بفتح حساب بنكي دون تقديم عنوانه أو هويته، أو أن يرفض إتمام إيداع دون مبرر مشروع، أو أن يستثمر في معاملات عالية المخاطر، أما بالنسبة للمؤشرات التي تدور حول موظف الموظف هي عندما يرتبط عمله بمؤشرات العميل المشبوه.
- مؤشرات متعلقة بالعمليات المصرفية: وهي المؤشرات المرتبطة بمؤشرات الائتمان، كالتوسع غير المعتاد في طلبات الاقتراض، أو قيام العميل بسداد كامل مبلغ القرض بشكل مفاجئ وغير مبرر.
- المؤشرات العامة: وهي المؤشرات المرتبطة بعمل البنك وأساليبه، مثل تقصيره في الرقابة على العمليات البنكية، أو الزيادات في حجم الودائع أو التحويلات.
وهكذا جميع هذه المؤشرات تعد قرائن على ارتكاب جريمة غسل الأموال، فأن ثبتت الحالة لدى البنوك وجب عليها الإبلاغ عنها فورًا لدى الإدارة العامة للتحريات المالية ، حيث نصت المادة (15) أن على المؤسسات المالية،
والأعمال والمهن غير المالية المحددة، والمنظمات غير الهادفة إلى الربح – بما في ذلك الأشخاص الذين يقدمون خدمات قانونية أو محاسبية- عند اشتباههم أو إذا توافرت لديهم أسباب معقولة للاشتباه في أن الأموال أو بعضها
التي تمثل متحصلات جريمة أو في ارتباطها أو علاقتها بعمليات غسل الأموال أو في أنها سوف تستخدم في عمليات غسل أموال بما في ذلك محاولات إجراء مثل هذه العمليات؛ أن تلتزم بالآتي:
١- إبلاغ الإدارة العامة للتحريات المالية فوراً وبشكل مباشر، وتزويدها بتقرير مفصل يتضمن جميع البيانات والمعلومات المتوافرة لديها عن تلك العملية والأطراف ذات الصلة.
٢- الاستجابة لكل ما تطلبه الإدارة العامة للتحريات المالية من معلومات إضافية.
الفصل الخامس: كيف يحمي النظام السعودي نفسه من جرائم غسل الأموال؟
- جهود المملكة في مكافحة غسل الأموال.
سارعت المملكة العربية السعودية إلى مواجهة جريمة غسل الأموال بسن الأنظمة اللازمة لمكافحتها، وإلزام المؤسسات المالية بتطبيق معايير رقابية فعالة للكشف عن العمليات المشبوهة، بالإضافة إلى إنشاء وحدات
متخصصة في البنك المركزي السعودي وجميع البنوك الأخرى للتصدي لتلك العمليات وإبلاغ الجهات المختصة بها، كما عملت المملكة على تطوير الأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأصدرت الهيئات والوزارات المختصة أدلة إرشادية ووضعت برامج توعوية وندوات لتعريف الأنشطة التجارية والمهنية بآليات الوقاية والحد من هذه الجريمة.
- برامج التوعية والامتثال الداخلي.
تعد برامج التوعية والامتثال الداخلي في مكافحة غسل الأموال من الركائز الأساسية التي تهدف إلى الحد من المخاطر القانونية والمالية على المؤسسات المالية، وتسعى هذه البرامج إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، منها توعية الموظفين من العمليات التي تمثل جريمة غسل الأموال، والكشف المبكر عن المعاملات المشبوهة، بالإضافة إلى ضمان الالتزام بالأنظمة المحلية والدولية، وحماية سمعة المؤسسة في المقام الأول.
من هذا المنطلق، أفادت المادة (5) من نظام مكافحة غسل الأموال على ذلك بقولها:” على المؤسسات المالية، والأعمال والمهن غير المالية المحددة، تحديد مخاطر احتمال وقوع غسل الأموال لديها وتقييمها وتوثيقها وتحديثها بشكل مستمر، من خلال الجوانب المتعددة للمخاطر بما فيها العوامل المرتبطة بعملائها والدول الأخرى والمناطق الجغرافية والمنتجات والخدمات والمعاملات وقنوات التسليم، وتوفير تقارير عن ذلك للجهات الرقابية عند الطلب. وعليها أن تراعي -عند قيامها بذلك- المخاطر المرتبطة بالمنتجات الجديدة وممارسات العمل والتقنيات قبل استخدامها”.
علاوةً على ما نصت عليه المادة (14) بقولها إن تلتزم المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة بوضع سياسات وإجراءات وضوابط داخلية لمكافحة غسل الأموال، على أن تكون متناسبة مع طبيعة وحجم أعمالها، وموافق عليها من الإدارة العليا مع مراجعتها وتحديثها باستمرار.
وبذلك يتضح أن ما نص عليه النظام في المادتين (5) و(14) يمثل جوهر الامتثال الداخلي داخل المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة، حيث إن قيام هذه الجهات بتحديد المخاطر وتقييمها ووضع السياسات والإجراءات والضوابط الداخلية وتحديثها بشكل مستمر، يشكل تفعيلاً لدور برامج الامتثال الداخلي في مواجهة جريمة غسل الأموال.
- التعاون مع الجهات الدولية المختصة.
تواجه المملكة تحديًا في مكافحة غسل الأموال، لا سيما عندما تمتد الجرائم عبر الحدود، أو تكون الأطراف المعنية في دول أخرى، ما يستدعي وجود آلية فعالة للتعاون الدولي، ومن هذا المنطلق، نص المنظم في مواد متفرقة من نظام مكافحة غسل الأموال على تنظيم هذه المسائل نذكرها على النحو الآتي:
-لا يمكن التعاون مع الجهات الدولية إلا بموجب اتفاقيات سارية مبرمة بين الأطراف المعنية تنظم أحكام التعاون الدولي.
-المادة (38): تسمح للسلطات المختصة في المملكة بتكليف جهات أجنبية لإجراء التحقيقات والتحريات بناءً على طلب رسمي.
-المادة (39): تتيح تقديم المساعدة في التحقيقات والإجراءات المرتبطة بغسل الأموال، بما في ذلك تعقب الأموال ومصادرتها واستردادها أو التسليم المراقب، وفق اتفاقية سارية أو مبدأ المعاملة بالمثل.
-المادة (41): تتيح تسليم أو استلام المتهمين أو المحكوم عليهم بين المملكة والدول الأخرى، مع الاحتفاظ بحق المملكة بمحاكمة المطلوب إذا رفضت الدولة الأخرى التسليم، بالاستناد للتحقيقات المقدمة من الدولة الطالبة.
من خلال هذه الأحكام السابق ذكرها، ضمنت المملكة إطارًا قانونيًا واضحًا للتعاون الدولي، يمكنها من متابعة الجرائم العابرة للحدود ومحاكمة مرتكبيها، ولم تقف الجهود المبذولة من المملكة إلى هذا الحد فقط، بل تعدت ذلك، وذلك بانضمامها إلى مجموعة العمل المالي ( (FATFويمكن تعريفها بأنها:” عبارة عن هيئة مستقلة متعددة الحكومات تضع وتعزز سياسات لحماية النظام المالي العالمي من غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل يتم الاعتراف بتوصيات مجموعة العمل المالي على أنها معيار عالميو لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
ومن أبرز التوصيات التي نصت عليها مجموعة العمل المالي التي تساهم في تعزيز مكافحة جريمة غسل الأموال، ما يلي:
- تقييم المخاطر وتطبيق المنهج القائم على المخاطر:
على الدولة أن تحدد وتفهم المخاطر المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعيين سلطة مختصة أو وضع آلية لتنسيق الإجراءات لتقييم هذه المخاطر، مع ضمان فعالية نظام مكافحة غسل الأموال، وإلزام المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة بتقييم مخاطرها واتخاذ التدابير اللازمة للحد منها.
- التعاون والتنسيق الوطنيين:
ينبغي أن يكون إطار مكافحة غسل الأموال في المملكة ينطوي على التعاون بين الجهات الوطنية المعنية كل وفق اختصاصها بما يضمن تبادل المعلومات المحلية، مع الأخذ بالاعتبار المخاطر التي تم تحديدها.
- التدابير الوقائية:
على الدولة اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية في سبيل مكافحة غسل الأموال تتمثل بالنقاط التالية:
- تجميد الحسابات البنكية فورًا، عند الاشتباه في نشاط غير قانوني.
- تعزيز مبدأ:” اعرف عميلك”، الذي يوجب على المؤسسات التحقق من هوية عملائها وفهم طبيعة معاملاتهم لضمان عدم استغلالها في غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.
- الإبلاغ الفوري لدى الإدارة العامة للتحريات المالية عن أي عملية مشبوهة.
وفي سبيل التدابير الوقائية، قد نصت المادة (20) من نظام البنك المركزي السعودي، على:” للبنك وفقًا لما تقتضيه طبيعة أعماله، وتحقيقًا لأهدافه وأداء مهماته القيام بالآتي:
- الدخول في اتفاقات ثنائية أو جماعية بشأن السياسات النقدية أو التنظيمية أو الرقابية، وفقًا للإجراءات النظامية.
- إبرام الاتفاقات مع البنوك المركزية الأخرى، أو الجهات الرقابية والإشرافية الأجنبية المماثلة، أو المؤسسات والمنظمات والمجالس الدولية ذات الصلة بعمله، وفقًا للإجراءات النظامية.
- التعاون والتنسيق مع الجهات الأجنبية النظيرة لغرض تبادل المعلومات أو الزيارات الإشرافية والرقابية ذات العلاقة بالمؤسسات المالية.
- إجراء العمليات النقدية والمالية وفتح حسابات في البنوك المركزية الأخرى والمؤسسات النقدية والمالية المحلية، والأجنبية، والإقليمية، والدولية.
ويتضح من المادة العشرون من نظام البنك المركزي السعودي أن له دورًا في تفعيل التعاون الدولي والإشراف على المؤسسات المالية، مما يعزز من فعالية مكافحة غسل الأموال، وذلك في إبرام أو الدخول في الاتفاقيات التي من شأنها أن تعزز دور الرقابة بوضع السياسات المختلفة.
الخاتمة
في نهاية هذا البحث، يمكن القول إن جريمة غسل الأموال تعد من الجرائم المعقدة التي تمارس في الخفاء، حيث تتشابك فيها عدة أطراف وتمر بعدة مراحل، ويكمن هدفها الأساسي في إضفاء المشروعية على متحصلات غير مشروعة.
وقد تناول البحث أبرز الجوانب المتعلقة بهذه الجريمة من حيث مفهومها ومراحلها ووسائل كشفها، إضافةً إلى دور النظام السعودي في مكافحتها.
وتوصل البحث إلى عدد من النتائج، أبرزها:
- تعتبر جريمة غسل الأموال جريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية المتحصلة منها الأموال غير المشروعة.
- يتمثل الركن المادي في جريمة غسل الأموال في صور متعددة، مثل: الإيداع، التحويل، الإخفاء، الاكتساب، التمويه، التمليك.
- شرع المنظم السعودي لهذه الجريمة، عقوبات عدة وهي: السجن، الغرامة، المصادرة، المنع من السفر أو الإبعاد.
- سن المنظم السعودي منظومة متكاملة من الأنظمة والإجراءات القانونية لمكافحة غسل الأموال.
وكما يوصي البحث بالآتي:
- تعزيز سبل الوقاية والتطوير المستمر للتشريعات والإجراءات الرقابية لمواكبة أساليب المجرمين المتجددة.
- تعزيز التعاون الدولي بمتابعة التحديثات والالتزامات الدولية ضمن مجموعة العمل المالي FATF لضمان توافق الأنظمة المحلية مع المعايير العالمية.
- تقديم دورات وورش عمل للعاملين في البنوك والشركات والمؤسسات لضمان الالتزام بالإجراءات الوقائية للحد من جريمة غسل الأموال.
المراجع والمصادر
أ-الأنظمة
1-نظام مكافحة غسل الأموال، الصادر بمرسوم ملكي رقم م/20 بتاريخ 5/2/ 1439 هـ، ولائحته التنفيذية.
2-نظام البنك المركزي السعودي، الصادر بمرسوم ملكي رقم م/36 بتاريخ 11/4/1442 هـ.
ب- الأحكام القضائية
-حكم المحكمة العامة بجازان، رقم: 34160354، بتاريخ 5/2/1435 هـ، مجموعة الأحكام القضائية، المجلد: 12.
ج- الكتب
-الشاذلي، فتوح. (2021م)، جرائم التعزير المنظمة في المملكة العربية السعودية، مكتبة الرشد، الرياض.
د- الدوريات
-حسين الحسين،” الإطار القانوني لجريمة غسل الأموال وآليات المكافحة”، مجلة جامعة البيان للدراسات والبحوث القانونية” (4) :173-174.
-راجح فؤاد مصبح، فايز خضر بشير، ” جريمة غسل الأموال: الماهية والآثار وآلية المواجهة”، مجلة جامعة سبها للعلوم الإنسانية، (3): 37-38.
-مايا خاطر، ” جريمة غسل الأموال وسبل التصدي لها”، المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث، (8): 158-160.
-توصيات مجموعات العمل المالي ((FATF، المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، (2022).
هـ-المواقع الإلكترونية
-وكالة الأنباء السعودية، (1443)، النيابة العامة: السجن 31 عامًا وغرامة 152 مليونً لستة متهمين بغسل الأموال، متاح على: https://www.spa.gov.sa/2317628.
أكتب تعليقا